انّكم لغاية ضعفكم وقوّة أعداءكم (لَوْ تَواعَدْتُمْ) للقتال معهم (لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ) ثبّتكم على القتال على هذه الحال ولم يدعكم حتّى تفرّوا (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) اى حقيقا بان يفعل أو مفعولا في الذّرّ من إعلاء كلمته وإعزاز دينه وإذلال أعدائه ، أو هلاك الهالك عن بيّنة أو إنزال الملائكة وإظهار دلائل النّبوّة (لِيَهْلِكَ) بدل عن قوله ليقضى الله على ان يكون المراد بالأمر المفعول إتمام الحجّة وإهلاك الهالك وحيوة الحىّ بعدها أو متعلّق بيقى والمراد الهلاك الصّورىّ أو المعنوىّ (مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) بعد بيّنة أو متجاوزا عن بيّنة هي إعزاز المؤمنين وغلبتهم في مقام لا يظنّ الّا ذلّتهم ومغلوبيّتهم ولم يكن ذلك الّا بنزول الملائكة وامدادهم بحيث لم يخف على أحد من الطّرفين (وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ) لاستغاثتكم فيجيبكم (عَلِيمٌ) بصدوركم وخفّياتها من الخوف والاضطراب وما يصلحها من التّثبيت والأمداد أو لسميع بمقال الهالك والحىّ عليم بحاله ، عطف باعتبار المعنى كأنّه قال : انّ الله يقضى أو انّ الله يهلك وانّ الله لسميع أو هو استيناف (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً) لتخبر أصحابك بقلّتهم ليجترؤا على القتال وهو متعلّق بمتعلّق ليقضى أو بدل من ، إذ أنتم بالعدوة الدّنيا أو بدل ثان من يوم الفرقان أو متعلّق بعليم (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً) فأخبرت أصحابك (لَفَشِلْتُمْ) جبنتم (وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) امر القتال لانحراف آراء أكثركم عن القتال (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) نفوسكم عن الفشل والتّنازع (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) بالخفيّات الّتى تصاحب الصّدور فيدبّر أمركم عن علم بما لا تعلمون ، نقل انّ المخاطبة للرّسول (ص) والمعنى لأصحابه يعنى أرى أصحابه المشركين قليلا في منامهم ، وعن الباقر (ع): كان إبليس يوم بدر يقلّل المسلمين في أعين الكفّار ويكثّر الكفّار في أعين النّاس فشدّ عليه جبرئيل (ع) بالسّيف فهرب منه (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) تصديقا لرؤيا الرّسول (ص) وتشجيعا لكم (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) لئلّا يفرّوا من القتال فيقع ما اراده الله من القتال ونصرة المؤمنين وإعلاء كلمتهم ، نقل عن ابن مسعود انّه قال : لقد قلّلوا في أعيننا حتّى قلت لرجل الى جنبي ، أتراهم سبعين؟ ـ قال : أراهم مائة ، فأسرنا رجلا منهم فقلنا : كم كنتم؟ ـ قال : ألفا ، وقلّل المؤمنون في أعين الكفّار حتّى قال قائل منهم : انّما هم اكلة جزور ، هذا كان قبل المقاتلة وامّا حين المقاتلة فقد رأوا المؤمنين مثليهم رأى العين (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) كرّره تأكيدا واشعارا بان لا غرض من الأمر بالقتال وتدبير امر المقاتلين من رؤيا القلّة ورؤية القليل وتشجيع المؤمنين وتثبيتهم الّا قضاء ما في اللّوح وإمضاءه من إظهار دينه على الأديان (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) كما انّ منه تدبيرها وصدورها ثمّ بعد ما أظهر انّ النّصر من عنده وانّ أسبابه الظّاهرة أيضا منه وشجّع المؤمنين وثبّتهم قال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً) من المشركين والكفّار للقتال فانّ اللّقاء غلّب في القتال (فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) ثقة بنصره واستظهارا بذكره فانّ القلب يطمئنّ عن الاضطراب والخوف بذكره (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) بالظّفر على الأعداء (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) فيما يأمركم به في امر القتال وغيره (وَلا تَنازَعُوا) باختلاف الآراء (فَتَفْشَلُوا) تضعفوا عن القتال (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) عظمكم في نظر الأعداء شبّهت العظمة المعنويّة بالرّيح