وفكّ العناة أسر لاحرار قواهم وصدّ لهم عن الرّجوع الى مولاهم ، (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) يعنى بالايمان بالله ومساجد الله هي الصّدور المنشرحة بالإسلام والقلوب المستنيرة بنور الايمان وعمارتها بالإسلام والايمان ؛ ولذا قال اشارة الى هذا البيان (شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) حالا حيث يعملون اعمال الكفر وقالا حيث يقولون ما يلزم الكفر من عدم الاعتقاد بالبعث والحساب وبإرسال الرّسول وإنزال الكتاب وغير ذلك ممّا يستلزم الكفر وعدم المعرفة بالله (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) فلا يباهوا بصور أعمالهم ولا تنظروا ايّها المؤمنون الى صورها لانّها ساقطة بل هي كالاجساد الميتة الّتى توذي حاملها (وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ) لا غيرهم فهو تأكيد للنّفى السّابق بمفهومه ولمّا كان عمارة المساجد الصّوريّة مع الاتّصاف بالشّرك تخريبا للمساجد الحقيقيّة الّتى هي القلوب وأربابها وكان حكم التّخريب غالبا وحكم العمارة مغلوبا كأنّها لم تكن ، وكان الايمان بالله واليوم الآخر الّذى هو كمال القوّة النّظريّة في اعتقاد المبدء والمعاد وقد اندرج فيه جميع المعارف الرّاجعة الى المبدء والمعاد واقام الصّلوة وإيتاء الزّكاة اللّذان هما كمال القوّة العمليّة ، وهما أصلان لجميع النّسك والعبادات عمارة للمسجد الحقيقىّ الّذى هو القلب وصاحبه وصار حكمها غالبا بحيث تنسب الى المساجد الصّوريّة وان لم تكن فيها عمارة قال بطريق الحصر : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ) آتيا بالجمع المضاف المفيد للعموم وبمن الموصولة المفيدة للعموم ، مع انّ أكثر المؤمنين لم يعمروا مسجدا قطّ ولو صححّ بتضمين يعمر معنى يصحّ فالتّأدية بهذه الصّورة للاشارة الى هذا المعنى (وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ) تعريض بالضّعفاء من المؤمنين (فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ) اى كعمل من آمن أو هو بتقدير مضاف في جانب المسند اليه وهو خطاب للمشركين أو للمؤمنين أو للجميع (بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) وهو كمال العلم (وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ) وهو إجمال الصّلوة والزّكاة اللّتين هما كمال العمل ، والتّكرار باعتبار مطلوبيّته في مقام الّذمّ والمدح (لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ) بحسب العلم والعمل اى الحال الّتى هم عليه (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) فلا يستوون بحسب الغاية أيضا لانّ الله يهدى المؤمنين ، ووضع الظّاهر موضع المضمر اشعارا بذمّ لهم وبعلّة عدم هدايتهم (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ) تكرار الأوصاف باعتبار اقتضاء مقام المدح (وَأُولئِكَ) الموصوفون بتلك الأوصاف العظيمة (هُمُ الْفائِزُونَ) لا غيرهم (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ) تفصيل لفوزهم ، والرّحمة هنا محمّد (ص) ونبوّته لانّها صورة الولاية الّتى هي الرّحمة ، والرّضوان علىّ (ع) وولايته ، والتّنكير للتّفخيم (وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) كأنّه استكثر ما ذكر فقال تعالى : هذا في جنب ما عند الله لهم قليل فهو استيناف جواب لسؤال مقدّر (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالايمان العامّ (لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ) فانّ نسبة الايمان قطعت النّسبة الجسمانيّة فهي مقدّمة على نسبة القرابة الجسمانيّة ، ونقل عن الباقر (ع) انّ الكفر في الباطن في هذه الآية ولاية