فنمسخهم (كَما لَعَنَّا) ومسخنا (أَصْحابَ السَّبْتِ).
اعلم انّ الإنسان خلق باطنه كظاهره مستوى القامة مشتملا على أحسن هيئة يمكن له الانتقال ، رجلاه منفصلتان من الأرض لا كالنّبات الغائر أصله في الأرض لا يمكنه الانتقال من مكانه ، مستقيما قامته ورأسه مجرّدا بشرته محسّنا صورته بأنواع المحاسن الفطريّة قابلة لانواع المحاسن الكسبيّة فكلّما بالغ في تصفيتها وتزيينها زاد حسنها وبهاؤها وحسن صورة بدنه بخطوطها وأشكالها ووضع كلّ من محالّ قواها في موضعه اللّائق به وصفائها وبهائها وطراوتها وتزيينها بتصفيتها من الدّرن (١) اللّاحق بها والحاق ما يزيّنها بها وحسن صورة باطنه ببياضها بنور الإسلام واستنارتها بنور الايمان وتوجّهها الى عالم النّور وانفصالها عن عالم الزّور وتزيينها بتصفيتها وازدياد عملها وتحسين أخلاقها بمتابعة من كان أخلاقه أخلاق الرّوحانيّين فاذا اعرض الإنسان عن الولاية عن غفلة أو عن جهل لم يحصل لها تزيّنها ، وإذا اعرض عن علم كان كمن توجّه الى قفاه ، وإذا تمكّن في هذا الاعراض صار وجهه المحاذي لمقاديم بدنه منصرفا الى قفاه كأنّه مخلوق عليه ، وإذا استحكم في التّمكّن صار ممسوخا بالمسخ الملكوتىّ ، وإذا استحكم هذا المسخ الملكوتىّ حتّى غلب على الملك صار صورته الملكيّة أيضا مسخا وعدّ بعض الفلاسفة المسخ الملكىّ من المحالات ، وتأويل ما ورد منه في الشّرعيّات ليس في محلّه (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) لا مانع من نفاذه فاحذروا ما اوعدتم ، ولمّا كان المقصود من الآية السّابقة تعريضا أو اصالة أمّة محمّد (ص) وقد أمرهم بالايمان بما نزّله وقد كان المراد ممّا نزّل ولاية علىّ (ع) كما سبق علّلها بقوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) باعتبار أتمّ مظاهره الّذى هو علىّ (ع) وقد فسّر بالشّرك والكفر بولاية علىّ (ع) لانّ الله لا يعرف ولا يدرك الّا في مظاهره فالشّرك بمظاهره شرك به فكأنّه قال : يا أمّة محمّد (ص) آمنوا بولاية علىّ (ع) الّتى نزّلناها مصدّقة لما معكم من احكام الإسلام واحذروا في مخالفته عن عقوبتي فانّى لا اغفر لمن يشرك بولاية علىّ (ع) فضلا عمّن كفر بولايته (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) الشّرك كائنا ما كان كبيرا أو صغيرا (لِمَنْ يَشاءُ) من شيعة علىّ (ع) وفي الاخبار تصريح بما ذكر من تفسير الآيات بمنافقى الامّة وولاية علىّ (ع) مع انّ عمومات الاخبار واشاراتها تكفى في تفسيرها بذلك ، فعن الصّادق (ع) في تفسير ما دون ذلك انّه قال : الكبائر فما سواها ، وفي حديث عن رسول الله (ص): لو انّ المؤمن خرج من الدّنيا وعليه مثل ذنوب أهل الأرض لكان الموت كفّارة لتلك الّذنوب ، والمراد بالمؤمن من قبل الولاية وفي آخر هذا الحديث : انّ الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء لشيعتك ومحبّيك يا علىّ (ع) وعن الباقر (ع) يعنى انّه لا يغفر لمن يكفر بولاية علىّ (ع) ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء يعنى لمن والى عليّا (ع) وعن علىّ (ع) ما في القرآن آية احبّ الىّ من هذه الآية (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ) باعتبار الشّرك بأتمّ مظاهره (فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) عطف في معنى التّعليل ، والافتراء يكون بالقول وبالفعل (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) تعجيب من تزكيتهم أنفسهم بعد ما سبق من حالهم وتهديد لهم والتّزكية امّا بمعنى نسبة الطّهارة الى الأنفس وعدّها زاكيات طاهرات أو بمعنى ازالة الدّرن عن الأنفس بأفعالهم وأذكارهم وكلّ واحد امّا بالقول مثل ان قال انّى لم أعص ، وأصوم كذا ، وأصلّي كذا ، وأنفق كذا ، وغير ذلك ، أو مثل ان داوم على ذكر اللّسان بنفسه من دون اذن واجازة قصدا الى تحصيل كمال النّفس وتطهيرها من نقائصها من غير مراياة ، وامّا بالفعل مثل ان فعل الأفعال الحسنة مراءاة وإظهارا للنّاس انّه زاهد راغب في الآخرة ، أو مثل ان اشتغل بالافعال الحسنة والرّياضات من قبل نفسه من غير مراءاة
__________________
(١) ـ الدّرن الوسخ أو تلطخه.