في الاخبار من ، انّها ريح تفوح من الجنّة لها وجه كوجه الإنسان ، تناسب ما فسّرها به الصّوفيّة الصّافية من انّها صورة ملكوتيّة تظهر على صدر الإنسان متصوّرة للاتباع بصورة الشّيخ المرشد وللمتبوعين بصورة مناسبة لهم تسمّى بالملك أو بجبرئيل بحسب تفاوت مراتبهم ، وحين تمثّل صورة الشّيخ أو الملك يصير ملكوت المتمثّل له غالبة وملكه مغلوبا وحينئذ يكون له الغلبة على النّفس واهويتها وعلى الملك ومن وقع فيه ، لانّه مؤيّد بالّسكينة الّتى هي من سنخ الملك وجاذبة للملائكة ولذا قال بعد إنزال السّكينة (وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها) وقد مضى تحقيق السّكينة في سورة البقرة عند قوله تعالى : (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالقتل والأسر ونهب الأموال (وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) تعريض بالامّة حيث كانوا يكفرون بعد محمّد (ص) بالولاية ، وقصّة حنين مذكورة في المفصّلات مفصّلة من أراد فليرجع إليها (ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) التّعذيب (عَلى مَنْ يَشاءُ) يعنى لا تنظروا إليهم بعد التّعذيب بنظر التّحقير لإمكان تدارك رحمته تعالى لهم لانّهم عباد الله وصنائعه (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قد يؤاخذ عباده إصلاحا لهم كما قد يؤاخذ نقمة لهم والّا فمغفرته ورحمته سابقة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) إبداء حكم آخر (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) بسبب قلّة تجارتكم لمنع المشركين عن التردّد الى بلدتكم فثقوا بالله وارجوا فضله (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ) التّعليق على المشيّة لقطع الاغترار بالوعد ولانّه لم يكن لكلّهم وقد أنجز وعده بعد اجلاء المشركين بتبسّط أهل المدينة ومكّة على سائر البلاد وبعد ذلك بتوجّه أهل الشّرق والغرب إليها (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بعواقب أو امره ونواهيه (حَكِيمٌ) لا يأمر ولا ينهى الّا لمصلحة وحكمة (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) بعد ما أظهر حكم المشركين واجلاءهم ومقاتلتهم بتأكيد وتغليظ بيّن حكم أهل الكتاب ولم يصدّره بالنّداء اشارة الى التّفاوت بينهم وبين المشركين في التّغليظ (وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) لفظ من للتّبعيض (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) ما يقرّر ويقضى من جزى دينه إذا قضاه (عَنْ يَدٍ) عن قوّة وبطش منكم وهذا مثل سائر في العرب والعجم يقول العاجز الّذليل تحت يد غيره : افرّ عن يده ، كما يقول العجم «فرار كردم از دست فلان كس» وهذا المعنى هو المناسب للمقام ولتنكير لفظ اليد ، وقد ذكر له معان أخر مثل : منقادين ، وعن غنى ، وعن انعام ، وعن يدهم لا يد غيرهم (وَهُمْ صاغِرُونَ) أذلّاء وحكم الجزية وأهلها مذكور في المفصّلات من التّفاسير والكتب الفقهيّة (وَقالَتِ الْيَهُودُ) امّا استيناف على القول بمجيء الواو للاستيناف ، أو عطف باعتبار المعنى فانّ تعليق الأمر بالمقاتلة على الموصول للاشعار بعلّة الحكم فكأنّه قال : قاتلوا الّذين لا يؤمنون بالله من جهة انّهم لم يؤمنوا وقالوا (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) ووضع الظّاهر موضع المضمر لارادة التّفصيل وتعيين قائل كلّ قول ، اعلم ، انّ القائلين عزير ابن الله ، والمسيح ابن الله ، ونحن أبناء الله ، لم يريدوا بتلك الكلمة ما يفهم منها بحسب الظّاهر من التّوليد والتّجسيم وإثبات الزّوج لله ، بل أرادوا بيان النّسبة الرّوحانيّة بهذه الكلمة وقالوا من حصل له القرب من الله بحيث يأخذ الأحكام والآداب منه تعالى بلا واسطة بشر فهو ابن الله ، وكذا من انتسب الى الله بواسطة الاتّصال بنبىّ أو ولىّ فهو ابن الله بيانا لشدّة القرب أو لصحّة