كذبا وهو اخبار عن المستقبل (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) استيناف جوابا لسؤال مقدّر اى ما لهم في هذا العذر والمقصود ؛ انّهم بعد التخلّف ان اعترفوا بتقصيرهم وتابوا أحيوا أنفسهم لبقاء استعداد الحيوة لكنّهم بالعذر الكاذب أبطلوا استعدادهم للحيوة وأهلكوا أنفسهم من صورة الحيوة بالتّخلّف ، ومن استعدادها بعدم التّوبة والعذر الكاذب (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) بالغ في تأكيد تكذيبهم بانّ واسميّة الجملة واللّام مبدوّا بعلم الله الّذى هو بمنزلة القسم (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) اى لمطلق المستأذنين في القعود (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) في الاعتذار وهذا في الحقيقة عتاب وتوبيخ للمستأذنين بغير عذر على طريقة: ايّاك اعنى واسمعي يا جارة ، وهذا من ألطف طرق مخاطبة ذوي الحظر يعاتبون مقرّبيهم ويريدون غيرهم تعريضا وإسقاطا لذلك الغير عن شأنيّة المخاطبة والمشافهة وبدء قبل التّوبيخ والمعاتبة بالعفو تلطّفا به (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا) عن ان يجاهدوا ، أو كراهة ان يجاهدوا ، أو في ان يجاهدوا فضلا عن ان يستأذنوك في التّخلّف عن ان يجاهدوا (بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) وضع الظّاهر موضع المضمر اشعارا بانّ المؤمنين هم المتّقون وهو وعد لهم بانّ عملهم لا يعزب عنه (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ) في تصديقهم بنبوّتك (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) يتحيّرون ويقفون عن السّير الى الله ، ولذا قال مولانا ومن به رجاؤنا في عاجلنا وآجلنا أمير المؤمنين (ع): من تردّد في الرّيب سبقه الاوّلون وأدركه الآخرون ووطئته سنابك الشّياطين (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) لأمكن لهم تهيّة عدّته وما يحتاج اليه ، أو هيّؤا له أسبابه تهيّة ، فعدّة امّا مفعول به أو مفعول مطلق من غير لفظ الفعل وعلى التّقديرين يكون تكذيبا لنفيهم الاستطاعة عن أنفسهم (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) لمّا توهّم من اسناد الأفعال السّابقة إليهم انّهم مستقلّون في أفعالهم استدرك ذلك الوهم بسببيّة كراهته تعالى للخروج وانّ عدم خروجهم وعدم إرادتهم له مسبّب عن كراهته تعالى له لا انّهم مستقلّون (فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) لمّا كان هذا القول من الله حقيقة وكان قائله ومن ظهر على لسانه ظاهرا وباطنا متعدّدا مختلفا ولم يكن لخصوصيّة الفاعل مدخليّة في المقصود من ذمّهم أسقط الفاعل فانّ هذا القول قد قاله باطنا ملائكة الله والشّياطين ، وظاهرا رسول الله (ص) حين اذن لهم في القعود ، وإخوانهم من الانس حين خوّفوهم عن قتال الرّوم وبعد السّفر وشدّة القيظ (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) مستأنف جوابا لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ولم كره الله انبعاثهم؟ ـ فقال : لانّهم لو خرجوا ما زادوا على ما أنتم عليه الّا فسادا بالتّجبين والنّميمة والهرب من الزّحف حتّى يتقوّى قلوب أعداءكم بهربهم (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ) وضع البعير وأوضع أسرع في السّير ، وأوضعه حمله على السّرعة فعلى الاوّل فالمعنى انّهم لو خرجوا فيكم أسرعوا خلالكم بالإفساد والنّميمة والتّخويف أو أسرعوا بالهرب ، وعلى الثّانى لو خرجوا فيكم حملوا ركائبهم على السّرعة بالإفساد والنّميمة والتّخويف خلالكم أو حملوا أمثالهم على السّرعة في الفرار (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) حال من فاعل اوضعوا أو مستأنف لتكرار الذّمّ الّذى هو مطلوب في المقام (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ)