عطف على يبغونكم أو حال من فاعله أو مفعوله والمعنى انّ فيكم سمّاعين لأقوالهم الفاسدة المفسدة أو سمّاعين لأقوالكم لان ينقلوها إليهم (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) وضع الظّاهر موضع ضمير السمّاعين اشارة الى صفة ذمّ لهم ووعيدا لهم ، أو موضع ضمير المتقاعدين اشعارا بذمّ آخر لهم ووعيدا لهم ، واشارة الى انّ كراهته تعالى لانبعاثهم ليس جزافا وبلا سبب انّما هو بسبب ظلمهم ، فيكون استدراكا لوهم متوهّم يتوهّم انّ كراهته تعالى انبعاثهم يكون نحو إجبار لهم على القعود ، كما انّ قوله لكن كره الله انبعاثهم كان استدراكا لما يتوهّم من استقلالهم في أفعالهم فليسوا مستقلّين في الفعال ولا مجبورين فيها (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ) قبل تلك الغزوة في غزوة أحد وغيرها من الغزوات من تجبين أصحابك وتدبير الفرار وتسليمك الى أعدائك (وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ) أمور الغزو بان دبّروا خلاف ما أمرت ودبّرت (حَتَّى جاءَ الْحَقُ) في كلّ ما دبّروا وهو تأييدك ونصرتك على وفق ما أمرت ودبّرت (وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ) اعلم ، انّ الحقّ المضاف هو المشيّة الّتى هي الحقّ المخلوق به وكلّ حقّ حقّ بالاتّصال به وكلّ باطل باطل بالانصراف عنه ، وانّ امر الله هو عالم المجرّدات الّذى ليس فيه الا امر الله لضعف الاثنينيّة بحيث لا يتصوّر هناك امر وآمر ومأمور وايتمار ، وكلّ من كان من افراد البشر متّصلا بهذا العالم متّحدا به فهو أيضا امر الله وكلّ ما صدر منه من هذه الحيثيّة فهو أيضا امر الله ، ولمّا كان خليفة الله نبيّا كان أم وليّا ذا وجهين ، وجه الى الله وبه يأخذ من الله ، ووجه الى الخلق وبه يوصل ما يأخذ من الله الى الخلق ؛ ويعبّر عن وجهه الى الله بالحقّ والوحدة والولاية ، وعن وجهه الى الخلق بالأمر والكثرة والخلق والنّبوّة والرّسالة ، والولاية بمعنى تدبير الخلق من جهة الباطن والخلافة بمعنى تدبيرهم من جهة الظّاهر فالولاية بالمعنى الاوّل روح الولاية بالمعنى الثّانى ، وكذا روح النّبوّة والرّسالة والخلافة فالفرق بين الحقّ والأمر كالفرق بين المطلق والمقيّد والرّوح والجسد والولاية والنّبوّة ، فالحقّ هو الولاية في العالم الكبير ومظهرها الاتمّ علىّ (ع) والأمر النّبوّة ومظهرها الاتمّ محمّد (ص) والنّبوّة عالم يغلب عليها الولاية والاتّصال بالوحدة لم يظهر غلبتها في العالم الكبير ، فمجيء الحقّ يعنى غلبة الولاية على النّبوّة سبب لغلبة النّبوّة على الكثرات ولذا قدّم مجيء الحقّ ، كما انّ اعانة علىّ (ع) ومجيئه في الغزوات كان سببا لغلة محمّد (ص) ، فالمعنى حتّى جاء الولاية وغلب الوحدة وظهر النّبوّة وغلبت (وَهُمْ) اى المقلّبون (كارِهُونَ) توهين لهم وتسلية للرّسول (ص) والمؤمنين على تخلّفهم (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي) حكاية لقول بعضهم توهينا وذمّا له (وَلا تَفْتِنِّي) لا توقعني في الفساد والافتتان بنساء الرّوم كما روى انّه (ص) رغّب بعضا في الجهاد في غزوة تبوك فقال : يا رسول الله والله انّ قومي يعلمون انّه ليس فيهم اشدّ عجبا بالنّساء منّى وأخاف ان خرجت معك ان لا اصبر إذا رأيت بنات الرّوم فلا تفتنّى ، أو فلا تفتنّى بضياع المال والعيال ، أو فلا تفتنّى بالأمر بالخروج وتخلّفى عنك ومخالفتي لأمرك ، أو فلا تفتنّى بضياع البدن بالحركة في الحرّ (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) يعنى انّ رغبتهم عن الخروج وعن امتثال أمرك ومصاحبتك هي فتنة عظيمة لنفوسهم تهلكهم عن الحيوة الانسانيّة الابديّة وقد وقعوا فيها ولا يمكنهم الخروج عنها ، ولذلك أتى بأداة الاستفتاح وقدّم المجرور واستعمل السّقوط (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) حال عن فاعل سقطوا أو عطف على جملة في الفتنة سقطوا ، ولمّا كان هذا الحكم من شأنه ان ينكر في بادي النّظر أتى بالمؤكّدات الثّلاثة ووضع المظهر موضع المضمر اشارة الى علّة الحكمين