خبريّة وحينئذ فالعطف امّا بتوهّم جملة معطوف عليها أو بتقديرها باعتبار المعنى ، فانّ الأمر بالقتال والغلظة مشعر بانّهم لا خير فيهم فكأنّه قال انّهم لا خير فيهم ومأواهم جهنّم والتّعاطف بين غير المتناسبين بحسب اللّفظ والمفهوم المطابقىّ بلحاظ المقصود ، والمعنى الالتزامىّ كثير شائع في كلامهم ، ومن جوّز عطف الإنشاء على الخبر وبالعكس نظر الى ظاهر ما ورد في الكتاب وظاهر ما رأى في كلامهم مع الغفلة عن اللّطائف المندرجة في العطف والقطع الملحوظة للفصحاء في كلامهم (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ان كان الاولى ذميّة أو دعائيّة فلا إشكال في العطف وان كانت خبريّة فالعطف بلحاظ ذمّ مستفاد منها (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ) قابل حلفهم بالحلف المستفاد من اللّام (وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) نزلت في الّذين تحالفوا وتعاهدوا في مكّة بعد ان علموا انّ محمّدا (ص) يريد ان يجعل الخلافة لعلىّ (ع) على ان لا يردّوا هذا الأمر في بنى هاشم أو في الّذين قالوا بغدير خمّ : الا ترون عينيه كأنّهما عينا مجنون ، أو في الّذين تحالفوا على قتله في العقبة بعد رجوعهم من تبوك والكلّ مروىّ (وَما نَقَمُوا) اى ما كافئوا بالعقوبة أو ما كرهوا أو ما أنكروا (إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ) مستثنى مفرّغ عن مفعول به عامّ أو علّة عامّة اى ما نقموا منهم لشيء الّا لا غناء الله لانّ الإنسان ليطغى ان رآه استغنى أو ما نقموا منهم شيئا الّا اغناءهم الله (وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) من قبيل قول الشّاعر :
ولا عيب فيهم غير انّ سيوفهم |
|
بهنّ فلول من قراع الكتائب |
(فَإِنْ يَتُوبُوا) عن النّفاق ولوازمه (يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا) عن التّوبة أو عن الرّسول (ص) (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) قد مضى مرارا انّ الولىّ هو النّبىّ (ص) أو خليفته أو المجاز منه بلا واسطة أو بواسطة من جهة تربية القلب وتعليم احكامه والنّصير كلّ واحد منهم من جهة الرّسالة وتربية القالب (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) نزولها في ثعلبة بن حاطب من أصحاب رسول الله (ص) كان محتاجا وسأل رسول الله (ص) ان يغنيه الله فقال له : يا ثعلبة قليل تؤدّى شكره خير من كثير لا تطيقه فقال : والّذى بعثك بالحقّ لئن رزقني لأعطينّ كلّ ذي حقّ حقّه ، فدعا له فاتّخذ غنما وكثر غنمه حتّى ضاقت بها المدينة فنزل واديا وانقطع عن الجمعة والجماعة وخدمة الرّسول (ص) ، فبعث رسول الله (ص) المصدّق فأبى عن الصدقة وبخل ، لكنّها جارية في كلّ من كان مثله وهم أكثر أهل الأرض (فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا) عن عهدهم (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) عن الله ورسوله (ص) (فَأَعْقَبَهُمْ) البخل والتّولّى (نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ) لا في ألسنتهم وصدورهم فقط ، أو المراد بالقلوب نفوسهم (إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) اعلم ، انّ الصّدق والكذب كالحقّ والباطل كما يجريان في الأقوال اللّسانيّة والعلوم النّفسانيّة يجريان في الأفعال والأخلاق والأحوال ، فكما انّ القول اخبار عن الواقع وصدقه باعتبار مطابقة نسبته للواقع وكذبه بعدم مطابقتها له كذلك فعل الإنسان الجاري على جوارحه باعتبار نسبته الى صورته ينبئ عن انّه صادر عن انسانيّته وغايته استكمال انسانيّته ، فكلّما كان هذا الاخبار مطابقا للواقع بمعنى كون الفعل صادرا عن الانسانيّة وراجعا الى استكمال الانسانيّة فالفعل صدق والفاعل صادق ، وكلّما لم يكن هذا الاخبار مطابقا للواقع بمعنى انّ الفعل الجاري