(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) الأمر والنّهى هاهنا للتّسوية غير منظور منهما حقيقة الأمر والنّهى ، ولفظة أو للتّخيير على ما روى انّه (ص) قال في جواب من قال : اما نهاك ربّك عن الاستغفار للمنافقين؟ ـ حين صلّى على ميّت عبد الله بن أبىّ : انّ الله خيّرنى (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) وهذا عتاب له بايّاك اعنى واسمعي يا جارة ، وعتاب المقرّبين تعريضا بمن استحقّ العتاب في الحقيقة تقريب لهم واهانة بالمستحقّين حيث اسقطهم عن درجة الخطاب والعتاب ولذا لم يقل : لم يجب الله لك بل قال لن يغفر الله لهم حيث لم يتوجّه العتاب اليه (ص) والاشكال بانّ استغفاره (ص) مجاب لا محالة لانّ غيره إذا توسّل به الى الله أجابه فكيف إذا استغفر هو لم يجبه ولن يغفر للمستغفر له ؛ مدفوع بانّ المراد المبالغة في عدم استحقاقهم للمغفرة بحيث لو فرض استغفار الرّسول (ص) الّذى لا ينفكّ الاجابة عنه لهم لما غفر لهم ، ومثل هذا كثير في كلامهم حيث يعلّقون نفى الجزاء على امر مستلزم لتحقّق الجزاء مبالغة في عدم تحقّقه ، واستعمال السّبعين لاستعماله كثيرا في معنى الكثرة لكونه من مراتب الاعداد التّامّة كالسّبعة والسّبعمائة ولذا يأتون بالواو بعد السّبعة ويسمّونه وأو الثّمانية ، أو للاشارة الى مراتبة السّبعين مبالغة في عدم استحقاقهم للمغفرة (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) تدارك لما يتوهّم من عدم قبول مسئلته واستغفاره بانّ عدم المغفرة لهم ليس لعدم استحقاقك للاجابة بل لعدم استحقاقهم للمغفرة (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) وضع الظّاهر موضع المضمر للاشارة الى ذمّ آخر وعلّة الحكم (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ) جواب سؤال عن حالهم أو عن علّة التّغليظ عليهم وعدم مغفرتهم ، وتدارك آخر لتوهّم عدم قبول استغفار الرّسول (ص) وخلاف رسول الله (ص) امّا ظرف لمقعدهم ان كان بمعنى العقب ، أو مفعول له لفرح أو المخلّفون ، أو مقعدهم ، على التّنازع أو على الانفراد (وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) يعنى انّهم لغاية شقاوتهم جمعوا بين التّخلّف والفرح به وكراهة الجهاد ومنع غيرهم منه (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) فان كان الحرّ يتّقى فنار جهنّم احقّ ان تتّقى (لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) لما اختاروا حرّ الآخرة على حرّ الدّنيا ، والفقه كما مرّ هو ادراك الأغراض والغايات خصوصا الغايات الالهيّة من الأشياء والأقوال لا ادراك المفاهيم من الألفاظ فقط كما ظنّ ، ولذا فسّر بأنّه طلب علم دينىّ يتوسّل به الى علم آخر ، وبعبارة اخرى الفقه هو الإدراك الّذى يحرّك الإنسان من حضيض نفسه الى أوج عقله ومن دنياه الى آخرته ، وتفسيره بالعلم بالمسائل الدّينيّة الفرعيّة عن ادلّتها التّفصيليّة محض مواضعة اصطلاحيّة ، وامّا في الشّريعة فهو باق على معناه وعدم تسمية علم الله والملائكة بالفقه لعدم تصوّر استعداد له تعالى ولا للملائكة حتّى يتصوّر التّرقّى ، بل كلّ ما كان هناك بالإمكان العامّ فهو بالفعل ، وعدم تسمية علوم الأنبياء بالفقه لتبدّل استعدادهم بالفعليّة لا لما قالوا من انّ علومهم ليست من ادلّتها التّفصيليّة والحاصل انّ الاشتداد والتدرّج في طريق الانسانيّة مأخوذ في مفهوم الفقه فكلّما كان الإدراك كذلك كان فقها وما لم يكن كذلك لم يكن فقها ، فلو فرض نبىّ يكون له حالة اشتداد في علمه كان علمه من هذه الجهة فقها (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) جواب شرط متوهّم أو مقدّر والأمر امّا على حقيقته والمراد منه الأمر بالتّوبة سواء كان الضّحك والبكاء على حقيقتهما أو مجازين عن السّرور والغمّ ، وحينئذ فذكر الضّحك للاشارة الى انّ الإنسان لا ينفكّ عن ضحك ما فليقلّ التّائب منه ، أو مجاز عن تحتّم ما يئول اليه أمرهم فهو أمر في معنى