الاوّل ، لا يعصى الشّيخ وهو بأمره يعمل لا بأمر نفسه ويصدق عليه انّه عبد وعابد ويصير مسافرا بالسّفر الثّانى من الحقّ الى الحقّ لانّ المبدأ ملكوت الشّيخ وهي الحقّ ، والمنتهى هو الحقّ المضاف ، ومراحل هذا السّفر ومقاماتها خارجة عن الحصر والعدّ ، والسّالك في هذا السّفر واله غير شاعر كالمجذوب فاذا وصل الى حضرة الأسماء والصّفات تمّت عبوديّته وفنى عن أفعاله وصفاته وذاته واتّصف بالرّبوبيّة إذا تمّ له هذا السّفر وصحا عن فنائه وصدق ما قالوا : الفقر إذا تمّ هو الله ، وانتهاء العبوديّة ابتداء الرّبوبيّة ، وفي هذا المقام يظهر بعض الشّطحيّات من السّالكين مثل : انا الحقّ ، وسبحاني ما أعظم شأني ، وليس في جبّتى سوى الله ، والسّالك حينئذ مسافر في الحقّ وهو السّفر الثّالث ولا انتهاء لمقامات هذا السّفر ، وفي هذا السّفر لا يرى في الوجود الّا الله ولا يرى جمالا وكمالا الّا لله فينسب تمام الكمال والجمال اليه تعالى من غير شعور بهذه النّسبة منه وهو حمده بل يتحقّق بالصّفات الجماليّة والأسماء الحسنى الالهيّة وهو حامديّته حقيقة ، ويصدق حينئذ عليه انّه سائح حيث انّ السّياحة هي السّير لمشاهدة غرائب صنع الله وهو في السّفر الاوّل لا يمكنه مشاهدة صنع الله بل لا يرى الّا المصنوع ، وفي السّفر الثّانى امّا لا يشعر بصنع ومصنوع بل لا يشعر الّا بشيخه أو لا يرى الّا المصنوع بحسب تقليباته ذات اليمين وذات الشّمال ، وفي هذا السّفر حين يفيق من جذبته يرى ويشاهد لكن لا يرى الّا صنع الله وغرائبه لخروجه من التّعيّنات الكونيّة فلا يرى في الوجود الّا صفاته وأسماءه تعالى ، وكلّ ما يشاهد يتذلّل ويخضع له وهو الرّكوع والسّجود بحسب تفاوت مراتب خضوعه ، فاذا تحقّق بأسمائه وصفاته وتمّ سفره هذا عاد الى ما منه رجع لا صلاح العباد وسافر بالحقّ في الخلق وامر بأمر الله ونهى بنهي الله وحفظ الأمر والنّهى على المأمورين والمنهيّين ، وكذا يحفظ غايات أو امره ونواهيه عليهم ، والمسافر بهذا السّفر امّا نبىّ أو رسول أو خليفة لهما ، ومقامات هذا السّفر أيضا غير متناهية بحسب عدم تناهي كلمات الله وبحسب مقاماته يتعدّد ويختلف مراتب الأنبياء والرّسل ، وما ورد من تحديد الأنبياء بمائة وعشرين ألفا أو بمائة واربعة وعشرين ألفا فهو امّا لمحض بيان الكثرة أو لتحديد أمّهات المقامات ؛ وما ورد عن المعصومين (ع) من تخصيص الأوصاف بأنفسهم قد علم وجهه حيث لا يوجد تلك الأوصاف بحقائقها الّا فيهم لكن إذا صحّ ايمان المؤمن وصدق في ايمانه توجد رقائقها وانموذجاتها فيه فليطلب المؤمن من نفسه فاذا لم يجد لم يكن صادقا في ايمانه (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) عطف على الأمر السّابق وبينهما اعتراض لبيان حال المؤمنين ووضع المؤمنين موضع ضميرهم للاشعار بعلّة الحكم ولتصويرهم بأوصافهم المذكورة حيث انّ اللّام للعهد الذكّرىّ والمذكور المؤمنون الموصوفون بالأوصاف المذكورة (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) يعنى ما صحّ (أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ) بلغ غاية الوضوح (لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) اعلم ، انّ الكافر ما لم ينقطع فطرته الّتى هي لطيفته الانسانيّة لا منع في الاستغفار والدّعاء بالخير له حيّا وميّتا ولا يجوز لعنه على الإطلاق بل يجوز من حيث كفره وشركه ، وللاشارة الى هذا المعنى قوله تعالى (إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) ، و (إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) ، وإذا انقطع فطرته يجوز لعنه على الإطلاق ولا يجوز له الدّعاء بالخير ولا يعلم قطع الفطرة الّا بشهود مراتب وجوده أو بوحي من الله أو بسماع من صاحب الكشف أو الوحي ، وما ورد في الاخبار وافتى به العلماء (رض) أيضا من انّ المرتدّ الفطرىّ لا يقبل توبته ناظر الى هذا المعنى ، وما ذكروه من الفرق بين المرتدّ الملّىّ والفطرىّ كما في الاخبار انّما هو باعتبار انّ التّولّد على الإسلام والتّولّد على الكفر ثمّ الخروج عن الإسلام كاشف