عن الارتدادين وقد مضى تحقيق الارتداد في سورة آل عمران عند قوله ومن يبتغ غير الإسلام دينا ، وللاشارة الى ما ذكرنا قال تعالى من بعد ما تبيّن بالكشف والوحي أو بالسّماع من صاحب الكشف والوحي لهم : انّهم أصحاب الجحيم منقطعوا الفطرة غير مرجوّى النّجاة يعنى لا قبل هذا التبيّن (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ) عطف لاستدراك ما يتوهّم من انّ إبراهيم (ع) كان نبيّا واستغفر لأبيه المشرك (إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) يعنى كان استغفاره وفاء بوعده وهو خصلة حسنة وكان قبل ان تبيّن له انّه أصحاب الجحيم بقرينة قوله (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ) اى فطرة بمعنى انقطاع جهة محبّته لله وهي اللّطيفة الانسانيّة (تَبَرَّأَ مِنْهُ) مع انّه كان أقرب قراباته وفسّر قوله تعالى الّا عن موعدة وعدها ايّاه بوعد آزر لابنه ان يسلم وهو يؤيّد ما ذكرنا لانّ وعد الإسلام لا يكون الّا عن فطرة الإنسان (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) الاوّاه الكثير التّأوّه وأكثر ما يكون التّأوّه إذا كان حزن على فراق محبوب وهو يستلزم كثرة الدّعاء والتّضرّع في الخلوات وحال العبادات فما ورد من تفسيره بالدّعّاء أو بالمتضرّع تفسير باللّازم وهو تعليل لاستغفاره (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) تكوينا بايصالهم الى مقام الانسانيّة الّتى بها يتميّز الخيرات والشّرور الانسانيّة أو تكليفا بايصالهم الى من يبايعهم بيعة عامّة أو بيعة خاصّة وتبيّن لهم خيراتهم وشرورهم التّكليفيّة (حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ) تكوينا أو تكليفا (ما يَتَّقُونَ) ما ينبغي ان يتّقوه من شرورهم الانسانيّة لا تمام الحجّة (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) جواب سؤال كأنّه قيل ما يعلم دقائق ما يضلّون ويهتدون به وما يتّقون (إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ابتداء كلام غير مرتبط بالسّابق أو تعليل لعلمه بكلّ شيء ، أو تعليل لنسبة الإضلال والهداية والتّبيين الى نفسه ، أو جواب لسؤال عن حالهم مع الله ونسبته تعالى إليهم (يُحْيِي) بالحيوة الحيوانيّة أو بالحيوة الانسانيّة (وَيُمِيتُ) هكذا (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍ) يتولّى أموركم بجلب ما هو خيركم إليكم (وَلا نَصِيرٍ) يدفع عنكم شروركم وقد مضى مرارا انّ النّبىّ (ص) بولايته هو الولىّ الّذى يتولّى أمور التّابع من إصلاح حاله في نفسه وبنبوّته ورسالته هو النّصير الّذى ينصر التّابع بدفع الشّرور عنه ، وهذا النّفى لدفع توهّم يرد على قلب المريد النّاقص حيث لا يرى من شيخة المرشد الّا بشريّته وكذا من شيخة الدّليل فيظنّ انّهما بحسب البشريّة أو بأنفسهما يتولّيان مستقلّين أو بالاشتراك مع الله تعليم المريد وإصلاحه ، فرفع هذا الوهم بحصر ذلك في نفسه بمعنى انّهما في تولّى أمور المريد ليسا الّا مظهرين والظّاهر المتولّى هو الله لا هما وحدهما ولا باشتراكهما مع الله (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِ) وقرئ بالنّبى وعلى قراءة على النّبىّ فتوبته تعالى عليه باعتبار توبته على أمّته إعطاء لحكم الجزء للكلّ ، أو لحكم التّابع للمتبوع ، أو التّوبة بمعنى مطلق الرّجوع لانّهم وقعوا في غزوة تبوك في الشّدّة والقحط وشدّة الحرّ وقلّة الماء فرجع بالرّخاء والرّاحة وعدم الحاجة الى القتال والصّلح على الخراج بدون زحمة القتال (وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) حيث تخلّف بعضهم وكره بعض آخر الخروج الى تلك الغزوة فلحق المتخلّفون ورغب الكارهون (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) حين خروجه على كراهة أو بعد خروجه بلحوقهم له (فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) في زمان العسرة فانّ غزوة تبوك اتّفقت في شدّة الحرّ وزمان القحط مع بعد السّفر (مِنْ بَعْدِ ما كادَ