في سؤال العفو للغير والشّفاعة عند الله غير مختصّة بالآخرة كما يظنّ ، بل هي ثابتة في الدّنيا للأنبياء (ع) وأوصياءهم إذ استغفار هم للتّائبين البائعين على أيديهم شفاعة ، واستغفارهم بعد ذلك لهم شفاعة ، وأمرهم بالخير ونهيهم عن الشّرّ ونصحهم ووعظهم كلّها نحو شفاعة ، فمن اجترأ على امر الخلق ونهيهم وبيان حلال الله وحرامه بالفتيا والوعظ الّذى جعلوه صنعة كسائر الصّنائع المعاشيّة والقضاء بين النّاس من غير اذن من الله بلا واسطة أو بواسطة فقد اجترأ على الله ، والاجتراء على الله نهاية الشّقاوة وهذا كسر عظيم على من دخل واجترأ على أخذ البيعة من النّاس من غير اذن من الله ، كما كان ديدن الخلفاء من بنى أميّة وبنى العبّاس ، وكما اجترأ المتشبّهة المبطلة بالصّوفيّة فدخلوا في ذلك من غير اذن من مشايخ المعصومين (ع) ، ولذلك كانت السّلف لم ينقلوا الحديث فضلا عن بيان احكام الله بالرّأى والظّنّ ما لم يجازوا من المعصوم (ع) أو ممّن نصبوه ، ومشايخ الاجازة واجازة الرّواية مشهورة مسطورة وسلسلة اجازتهم مضبوطة ، وكذا الصّوفيّة المحقّة كانوا لا يدخلون في الأمر والنّهى وبيان الأحكام والاستغفار للخلق وأخذ البيعة منهم الّا إذا أجيزوا وسلاسل إجازاتهم مضبوطة عندهم ، وذمّ الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر والاقدام على الفتيا والوعظ ممّن ليس له باهل خصوصا ممّن جعله وسيلة الى أغراضه الفاسدة ، من جمع المال والتّبسّط في البلاد والتّسلّط على العباد والصّيت وصرف وجوه النّاس اليه وإدخال محبّته في قلوبهم قد كثر وروده في الاخبار ، أعاذنا الله من هذا العار وحفظنا من شرّ أمثال هؤلاء الأشرار ، وقد ورد في وصف مجلس القضاء : هذا مجلس لا يجلس فيه الّا نبىّ أو وصىّ أو شقىّ ، ومعلوم انّ الوصاية اذن من النّبىّ (ص) في التّصرّف فيما له التّصرّف فيه من حيث نبوّته وماله التّصرّف فيه من حيث نبوّته هو الأحكام الالهيّة الّتى يبلّغها الى عباده وحديث : العلماء ورثة الأنبياء ، يشعر بما ذكرنا ، لانّ الوراثة ليست الّا بالولادة الجسمانيّة أو بالولادة الرّوحانيّة وليست الولادة الجسمانيّة مقصودة ، والولادة الرّوحانيّة لا تحصل بمحض الادّعاء بل هي نسبة خاصّة واتّصال مخصوص ووراثة المتّصل بالنّبىّ (ص) بقدر اتّصاله وقربه وبعده عن النّبىّ الّذى هو مورّثه ، ولا يحصل أصل اتّصال النّسبة الرّوحانيّة الّا بالعمل الصّورىّ والتّفاضل في الاتّصال بحسب التّفاضل في القرب الحاصل بمتابعته وقدر الإرث يختلف بحسب التّفاضل فمن كان له شأن الانوثة كان له قسط من الإرث ، ومن كان له شأن الذّكورة كان له قسطان ، والعارف لذلك التّفاضل لا يكون الّا النّبىّ (ص) أو خليفته فوراثته لا تكون الّا بايراثه وهو الاذن المذكور (ذلِكُمُ) الموصوف بالخالقيّة والاستواء على العرش الّذى هو جملة الأشياء وبتدبير أمركم في البقاء وعدم مداخلة أحد في أمركم الّا باذنه (اللهُ) خبر أو بدل أو صفة على تقدير اعتبار معنى الوصفيّة فيه (رَبَّكُمُ) خبر لذلكم أو صفة لله أو خبر بعد خبر (فَاعْبُدُوهُ) يعنى إذا كان الله الموصوف بتلك الصّفات ربّكم فافعلوا له فعل العبيد أو صيروا له عبيدا ، ولمّا كان المقصود ترغيبهم في عبادته لم يصرّح بحصر العبادة في نفسه ونفى استحقاق الغير (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) الا تفكّرون فيه وفي أوصافه وفي آلهتكم الظّاهرة من الأصنام والكواكب وغير المستحقّين للنّيابة الالهيّة وفي آلهتكم الباطنة من اهويتكم الفاسدة واغراضكم الكاسدة فلا تذكّرون انّ الحقيق بالعبادة والاطاعة هو الله ومظاهره البشريّة النّائبة عنه لا آلهتكم الّتى لا جهة استحقاق عبادة فيهم (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) استيناف جواب لسؤال عن العلّة أو عن حاله مع خلقه وعلى الثّانى أيضا يستلزم التّعليل (وَعْدَ اللهِ) وعد الله وعدا (حَقًّا) مفعول مطلق تأكيد لنفسه ان جعل من قبيل له علىّ درهم حقّا ، أو تأكيد لغيره ان جعل من قبيل : إبني أنت حقّا ، أو حال من وعد الله ، والموعود امّا