إرجاع الكلّ اليه أو بدء الخلق واعادتهم للجزاء (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) بيان للموعود ولذا لم يأت بأداة الوصل ، أو تعليل لرجوع الكلّ اليه ان جعل الموعود إرجاع الكلّ اليه (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ) بالعدل الّذى هو لائق به من جزاء كلّ أعمالهم بجزاء أحسنها ، أو ذكر القسط هنا تمهيد لوعيد الكفّار للاشارة الى انّه لا ظلم معهم وهو لا ينافي المعاملة معهم بالفضل بعد مراعاة القسط ، والحقّ انّ حقيقة القسط هي الولاية المطلقة المتحقّق بها علىّ (ع) ، وانّ كلّ قسط يوجد في العالم انّما هو من فروع تلك الولاية ، لكن لا يسمّى القسط قسطا شرعا الّا إذا اتّصل الولاية التّكوينيّة بالولاية التّكليفيّة بالبيعة العامّة النّبويّة أو بالبيعة الخاصّة الولويّة ، فالقسط شرعا يستلزم الإسلام أو الايمان والمنظور هاهنا هو ذلك اللّازم كأنّه قال ليجزي الّذين آمنوا بالبيعة العامّة أو بالبيعة الخاصّة وعملوا الصّالحات بالبيعة الخاصّة وما يشترط فيها ، أو بامتثال شرائط البيعة الخاصّة بالإسلام أو بالايمان ويؤيّد هذا المعنى موافقته لقرينته في قوله تعالى : بما كانوا يكفرون ، ولم يعيّن الجزاء تفخيما له بإبهامه اشارة الى انّه جزاء لائق بإعطاءه (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) عطف على الّذين آمنوا ، وعلى هذا فقوله (لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) جملة مستأنفة بيان للجزاء أو عطف على (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) أو على مقدّر مستفاد من قوله (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) (الى الآخر) كأنّه قال : فالّذين آمنوا (الى آخر الآية) (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) (الى آخر الآية) وعلى هذا فتغيير الأسلوب للاشارة الى انّ جزاء الكفّار من الغايات بالعرض وانّه ينسب الى أنفسهم لانّهم اولى بسيّئاتهم من الله (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً) استيناف في معرض التّعليل للبدءة والاعادة للجزاء أو للتّدبير أو في معرض البيان لتدبيره تعالى ، ولم يذكر منازل الشّمس ولا غاية إيجادها ومنافع سيرها لانّها كثيرة لا يحيط بها البيان ولانّ أكثرها مشهودة للعوامّ ولعدم شهرة منازل للشّمس بخلاف القمر (وَالْقَمَرَ نُوراً) الفرق بين النّور والضّياء بالعموم والخصوص وحمل الضّياء والنّور للمبالغة أو باعتبار ما يرى منهما من انّهما نوران متجوهران (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) قدّر له منازل أو قدّره ذا منازل أو سيّره منازل (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) فانّ الأعوام والشّهور في نظر العوامّ منوطة بدورات القمر دون الشّمس (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ) بسبب الحقّ أو بالغاية الحقّة (يُفَصِّلُ الْآياتِ) قرئ بالغيبة والتّكلّم (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) اى نفصّلها بالبيان وفي الوجود لقوم لهم صفة العلم.
اعلم ، انّ الإنسان من اوّل استقرار نطفته في الرّحم بل من اوّل تولّد مادّته من العناصر الى زمان بلوغه سألك على الطّريقة القويمة الانسانيّة بتسبيبات الهيّة ، ومدرك لخيراته بإدراك جمادىّ أو نباتىّ أو حيوانىّ لا بإدراك انسانىّ ، ولا يسمّى إدراكه ذلك علما كما لا يسمّى ادراك غير الإنسان من المواليد علما ، فاذا بلغ بهذا السّلوك أو ان بلوغه واستغلظ في بدنه ونفسه وحصل له العقل الّذى هو مدرك خيراته وشروره الانسانيّة ، فان كان إدراكه للأشياء بقدر مرتبته الدّانية وقوّته الضّعيفة من حيث انّها دوالّ قدرته تعالى وآيات حكمته وأسباب توجّهه وسلوكه الى الحقّ القديم سمّى إدراكه ذلك علما ، وان لم يكن إدراكه كذلك بل يدرك الأشياء مستقلّات في الوجود ولم يدركها من حيث انّها متعلّقات دالّات على صانعها لم يسمّ علما ، بل يسمّى جهلا مشابها للعلم ، مثل ان يرى أحد من بعيد ظلّا لشاخص ويظنّ انّ الظّل شاخص مستقل في الوجود ، وهذا كما يجرى في الآيات الجزئيّة الآفاقيّة والانفسيّة يجرى في الآيات