الى ما نرتضيه (قُلْ ما يَكُونُ) ما يصحّ (لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ) اى اغيّره بترك أصله أو بتبديل آياته أو اقتصر على الامتناع عن التّبديل ليدلّ على انّ تركه أصلا اولى بالامتناع (مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) بدون امر ربّى (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) يعنى ليس لي نفسيّة وامر نفس واتّباع لأمر النّفس لانّ شأنى واتّباعى مقصور على امر ربّى (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) جواب سؤال عن العلّة وتعريض بهم حيث يعصون ولا يخافون (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) اى لا أعلمكم الله به على لساني يظنّ في بادي النّظر انّ حقّ العبارة ان يقال : لو لم يشأ الله ما تلوته حتّى يفيد ترتّب عدم التّلاوة على عدم المشيّة ويستفاد من مفهومه ترتّب التّلاوة على المشيّة ، ومفاد الآية ترتّب عدم التّلاوة على المشيّة واستلزامه بحسب المفهوم لترتّب التّلاوة على عدم المشيّة والحال انّ الوجودىّ يحتاج الى العلّة الوجوديّة والعدم لا علّة له ، وما قالوا : علّة العدم عدم ، فهو من باب المشاكلة ولو سلّم فيقتضى تعليق عدم التّلاوة على عدم المشيّة لا على نفس المشيّة ، والجواب انّه تعالى أراد أن يشير الى انّه لا شأن له (ص) عدميّا كان أو وجوديّا الّا وهو متعلّق بمشيّة الله والعدم الصّرف وان كان لا علّة له ولا تعلّق له بشيء ، لكنّ الاعدام الشّأنيّة اى اعدام الملكات كالوجوديّات تقتضي علّة وتعلّقا وإذا كان عدم تلاوته مع انّه عدميّ متعلّقا بمشيّته تعالى فتلاوته كانت متعلّقة بالطّريق الاولى ، لانّها حادثة وجوديّة مقتضيته للعلّة والتّعلّق ، ومفهوم الآية تعلّق التّلاوة بعدم مشيّة عدم التّلاوة وهو اعمّ من مشيّة التّلاوة أو عدم المشيّة مطلقا (فَقَدْ لَبِثْتُ) الفاء عاطفة على لو شاء الله ما تلوته بملاحظة المعنى مع اشعاره بالسببيّة للاثبات كأنّه قال : تلوته بمشيّة الله لا بمشيّتى وادّعائى ذلك بسبب لبثى فيكم وعدم ظهور مثل ذلك منّى ، كأنّه أشار بتلك السببيّة الى قياسين اقترانيّين من الشّكل الاوّل وقياس استثنائى مأخوذ من نتيجة القياس الثّانى واستثناء نقيض تاليه ترتيبه هكذا : لو لم يكن القرآن باتّباع الوحي ومشيّة الله لكان باختلاق من تلقاء نفسي وكلّما كان باختلاق من تلقاء نفسي ظهر مثل ذلك منّى قبل ذلك ؛ ينتج لو لم يكن بمشيّة الله لظهر مثله قبل ذلك وكلّما ظهر مثله قبل ذلك شاهدتموه وسمعتموه ولكن لم تشاهدوه منّى فقد لبثت (فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ) قبل القرآن مدّة أربعين سنة لا يظهر عنّى أمثال ذلك ، وما سمعتم منّى (أَفَلا تَعْقِلُونَ) لا تدركون بعقولكم أو لا تتصرّفون في مدركاتهم بعقولكم أو لا تصيرون عقلاء (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) تعريض بنفسه وبهم على سبيل التّرديد على طريقة الإنصاف مع الخصم بعد ما اثبت كونه غير مفتر كأنّه قال : ان كنت مفتريا على الله كما تكنون بذلك فانا أظلم النّاس وان كنت آتيا بآيات الله وتكذّبونها فأنتم أظلم النّاس ، أو تعريض بكلتا القرينتين بهم ويكون أو للتّفصيل لا للتّشكيك كأنّه قال بعد ما اثبت انّى غير مفتر : فأنتم أظلم النّاس من جهة افترائكم على الله بنصب الآلهة لأنفسكم وبتكذيب آياته (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) في موضع التّعليل (وَيَعْبُدُونَ) عطف بملاحظة المعنى المقصود بالتّعريض يعنى هم يفترون ويكّذبون ويجرمون ويعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) من الأصنام والكواكب عبادة العبيد ومن الاهوية والآراء والشّياطين عبادة اتّباعيّة ، ومن غير من نصبه الله من رؤساءهم الدّنيويّة أو رؤساءهم الدّينيّة بزعمهم عبادة طاعة ، والمقصود من نفى الضّرّ والنّفع نفى ما يتوهّمونه ضرّا ونفعا ممّا يئول الى دنياهم من غير نظر الى عبادتهم والّا فهي بعبادتهم