ايّاها تضرّهم غاية الضّرّ (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) كما يقول الوثنىّ : انّ أصنامنا شفعاؤنا عند الله ، وكما يقول أكثر الصّابئين : انّ الكواكب شفعاؤنا ، وبعض يقول : هي قديمة مستقلّة في الآلهة ، كما يقول الزّرداشتيّون : النّار تشفعنا عند الله ، وكما يقول المطيعون لمن يزعمونهم رؤساء الدّين : هؤلاء وسائط بيننا وبين الله ، وكما يقول المتّبعون للأهواء والشّياطين في صورة الأعمال الشّرعيّة الصّادرة من اتّباع النّفس والشّياطين : هي وسائل بيننا وبين الله وأسباب قربنا الى الله والحال انّها وسائل الشّيطان وأسباب القرب الى الجحيم والنّيران (قُلْ) استهزاء (أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) بالشّفعاء من حيث شفاعتهم أو بشفاعتهم يعنى انّ ما في السّماوات والأرض معلوم له وما ليس معلوما له فيهما فلا يكون (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) يعنى قبل بعثة الرّسل البشريّة كانوا على مقتضيات شهوات النّفوس آمّة لها متوجّهة إليها وبعد بعثة الرّسل انصرف طائفة عنها الى ما دعتهم الرّسل اليه من الخيرات الاخرويّة الانسانيّة وابى طائفة (فَاخْتَلَفُوا) وقبل بعثة الرّسل الباطنة من العقول كانوا على مقتضيات النّفوس الحيوانيّة آمّة لها وبعد بعثة الرّسل الباطنة انصرف طائفة من قواهم الى ما دعتها الرّسل اليه وبقيت طائفة فاختلفوا وتنازعوا وتقاتلوا (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) كلمة إمهالهم وآجالهم المؤخّرة المعيّنة سبقت فيما كتبه الملك المصوّر في أرحام أمّهاتهم أو سبق ثبتها في الألواح والأقلام العالية (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) لحكم بإظهار الحقّ والباطل وتميّز الحقّ عن المبطل (وَيَقُولُونَ) استهزاء أو استظهارا (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ) اى على محمّد (ص) (آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) ممّا اقترحناه أو ممّا يدلّ على رسالته (فَقُلْ) الفاء جواب شرط محذوف أو متوهّم اى إذا قالوا فقل (إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) علم الغيب مختصّ به فلا اعلم انا ولا أنتم ما يترتّب على إنزال الآية من المفاسد والمصالح وهو يعلم فلا ينزل الآية لما فيها من المفاسد وفي تركها من المصالح أو عالم الغيب ملك الله ليس لي تصرّف فيه ولا تسلّط عليه حتّى أجيب مقترحكم أو انزل منه ما أريد ، فانا وأنتم سواء في ذلك (فَانْتَظِرُوا) نزول الآية والفاء مثل سابقه (إِنِّي) مثلكم (مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) ويحتمل ان لا يكون قوله (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ) (الآية) مماشاة معهم بل يكون تهديدا لهم على استهزاءهم والمعنى انّ الغيب لله ينزّل منه ما يشاء من عذابكم وعذابي والرّحمة بكم وبى فانتظروا نزول عذابه انّى معكم من المنتظرين ويؤيّد هذا المعنى تهديدهم بالآية الآتية (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً) سعة وصحّة وأمنا فانّها من آثار الرّحمة وان كانت قد تصير نقمة أو هي رحمة في انظارهم القاصرة عن ادراك الغايات (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ) وهي ضدّ المذكورات (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) الكبرى البشريّة أو الصّغرى الآفاقيّة والانفسيّة والتّدوينيّة فانّ الإنسان ليطغى ان رآه استغنى ، والمكر في الآيات الكبرى بالإضرار بالحيل الخفيّة ، وفي الآيات الصّغرى في المعجزات بحملها على السّحر ونحوه من الوجوه الخفيّة ، وفي غيرها بإخفائها وتلبيسها على الغير أو تأويلها على مقتضى شهواتهم (قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) أنفذ مكرا وأسبق مكرا فانّ مكركم في الآيات في الحقيقة مكر الله فيكم فمكره أسبق من مكركم في كلّ حال ونسبة المكر الى الله من باب المشاكلة أو المشابهة والّا فالماكر يقال للعاجز عن إعلان المخاصمة المنصرف عنه الى اخفائها (إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) تهديد لهم بظهور ما يظنّونه خافيا عليه بواسطة