وإنكاره هذا محض الجهل من غير خبث من ذاته (وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) الجاحدين عن علم أو بالمفسدين الغير المتوقّعين لايمانهم ووضع الظّاهر موضع المضمر للاشعار بإفسادهم وذمّ أخر لهم (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ) اعراضا عن الجاهلين أو متاركة لهم (لِي عَمَلِي) نافعا كان أو ضارّا (وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ) كذلك (أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) تأكيد للاوّل ولذا ترك العاطف وعكس التّرتيب لانّه تأكيد للمفهوم لا للمنطوق كأنّه قال : لي عملي لا لكم بحسب مفهوم الحصر ولكم عملكم لا لي (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) ردّا واستهزاء ، أو لسماع المقصود منك (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَ) حال بتقدير القول أو جواب عن سؤال مقدّر كأنّه (ص) قال : فما شأنهم لا يسمعون المقصود منّى؟ ـ فقال : شأنهم ان يقال أفأنت تسمع الصّمّ يعنى انّ آذانهم الانسانيّة صمّ عن سماع ما يسمعه الإنسان ولا عقل لهم حتّى يمكن الافهام بالاشارة ونحوه فهم كالبهائم ولذا قال (وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) ويشاهد منك بيّنات صدقك وصدق كتابك لكنّهم عمى عن مشاهدة آثار الصّدق ودلالة دوالّه (أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ) الى مشاهدة آثار الرّبوبيّة والآخرة (وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ) ببصيرة عقليّة يعنى ان كان لهم بصيرة يمكن إفهام آثار الرّبوبيّة ولو لم يكن بصر لهم لكنّهم عمى وغير ذوي بصيرة والآية كالعلّة للاعراض والمتاركة (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) بمنع ما يستحقّونه منهم جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل فالله يمنعهم السّماع ويظلمهم (وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بابطال فطرتهم وإفساد استحقاقهم وأنفسهم مفعول ليظلمون أو تأكيد للنّاس (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) عطف على محذوف والتّقدير لكنّ النّاس أنفسهم يظلمون في الدّنيا ويوم يحشرهم أو متعلّق با ذكر مقدّرا أو بيتعارفون أو بقد خسر (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) حال من مفعول يحشرهم أو صفة لمصدر محذوف بتقدير العائد اى حشرا كأن لم يلبثوا قبله أو متعلّق بيتعارفون والمقصود انّهم استقلّوا لبثهم في الدّنيا أو في القبر لتمثّل الحال الماضية بحيث انّها كأن لم تغب ولذا قيّد بالنّهار (يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) يعرف بعضهم بعضا لاستحضارهم الحال الماضية وتمثّلها عندهم (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) قالا كالدّهريّة والطّبيعيّة وكلّ من اقرّ بالمبدء دون المعاد ، وحالا كأكثر من اقرّ بلسانه ولم يساعده حاله وهو جواب سؤال كأنّه قيل : فما كان حال النّاس يومئذ؟ أو حال من فاعل يتعارفون بتقدير العائد ، أو متعلّق ليوم يحشرهم ، أو ابتداء كلام منقطع عمّا قبله والتّعبير بالماضي والحال انّ حقّه الإتيان بالمستقبل على غير الوجه الأخير لتحقّق وقوعه (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ) ان نرك (بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) من العذاب والانتقام (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل الاراءة (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) لا يفوتون عنّا فلا تحزن على تأخير الانتقام (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ) وللتّفاوت بين الاخبارين في الغرض المسوق له الكلام وهو تسليته أيضا أتى بثمّ والتفت تجديدا لنشاط السّامع حتّى يتمكّن في قلبه واشارة الى علّة الحكم كأنّه قال : ان نرك أو نتوفّك فلا تحزن لانّ مرجعهم إلينا فنجازيهم على سوء أعمالهم على انّ الله شاهد بالفعل على أعمالهم ومحيط بهم (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) من الأمم الماضية (رَسُولٌ) من الله اعمّ من الرّسول الموحى اليه أو وصيّه وعلى هذا فقوله (فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ) مبتن على تصوير الحال