(قُلْ) تبجّحا وسرورا (بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ) قد مرّ مرارا انّ فضل الله هو الرّسالة والنّبوّة اللّتان هما صورة الولاية والرّحمة هي الولاية ، ولمّا كان النّبوّة والولاية من شؤن النّبىّ (ص) والولىّ (ع) ومتّحدتان معهما صحّ تفسيرهما بمحمّد (ص) وعلىّ (ع) (فَبِذلِكَ) الفاء للعطف واسم الاشارة اشارة الى المذكور من الفضل والرّحمة ولمّا كان التّبجّح مقتضيا لتطويل ما يتبجّح به وتكريره والمبالغة فيه أتى بالفاء العاطفة لما بعدها على مغاير الدّالة على تعقيب ما بعدها لما قبلها بين المتّحدين اشارة الى انّ ما بعدها وان كان متّحدا مع ما قبلها لكنّه مغاير له باعتبار المبالغة والاشتداد في الدّاعى للكلام ، وهو التّبجّح أو الغرض المسوق له الكلام وهو أيضا فرح المبشّرين فكأنّه عطف مغايرا بالّذات ولذلك الاقتضاء كرّر الجارّ (فَلْيَفْرَحُوا) هذه الفاء امّا زائدة أو بتوهّم امّا أو بتقديره أو عاطفة على محذوف مفسّر بما بعدها وهو أبلغ كلام في الدّلالة على اشتداد تبجّح المتكلّم وعلى المبالغة في المقصود (هُوَ) اى المذكور من الفضل والرّحمة وأتى باسم الاشارة والضّمير مفردين للاشارة الى اتّحادهما حقيقة (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) من صورة القرآن فانّها ممّا يجمعونه بأيديهم ثمّ يقولون هو من عند الله وما هو من عند الله لجمعهم ايّاها وتصرّفهم فيها بآرائهم الفاسدة بخلاف الفضل والرّحمة فانّهما لا قدرة لهم على التّصرّف فيهما لانّهما ممّا لا يمسّه الّا المطهّرون أو ممّا يجمعون من حطام الدّنيا (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ) ما استفهاميّة للتّعجيب اشارة الى شرافته وعظمته في نفسه ومن حيث انتسابه الى الله والى كثرته وتوطئة لذمّ التّصرّف فيه بالأهواء وحينئذ فأرأيتم استفهام واستخبار مستعمل بمعنى أخبروني كسابقه أو هو بمعنى أعلمتم والاستفهام للتّعجيب أو للإنكار أو للتّقرير وقوله الله اذن لكم يكون مستأنفا أو لفظة ما شرطيّة وقوله : فجعلتم جزاءه بتقدير قد على القول بلزوم قد في الجزاء إذا كان ماضيا لفظا ومعنى ولذا دخل الفاء وأرأيتم حينئذ بمعنى أخبروني أو للتّعجيب أو للإنكار التّوبيخىّ ، وعلى التّقادير فالفعل معلّق عن جملة ما انزل الله أو لفظة ما موصولة مفعولا اوّلا لرأيتم والمفعول الثّانى محذوف اى كذلك أوءالله اذن لكم والفعل معلّق عنه ولفظة قل تأكيد للفظ قل الاوّل ، والمراد بانزال الرّزق في الرّزق الصّورىّ النّباتىّ إنزال أسبابه وفي الرّزق المعنوىّ الانسانىّ إنزال حقيقته ، فانّ رزق الإنسان وهو العلوم والأخلاق الحسنة تنزل بحقائقها من سماوات الأرواح ولفظ لكم للاشعار بانّ الغرض انتفاعكم ومن الانتفاع يستنبط حلّيّته (فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً) بما اسّستم بجعلكم من حرمة بعض الانعام مطلقا وحرمة بعضها على بعض من افراد الإنسان وحرمة شيء من الحرث وغير ذلك وبما تقوّلتم من عند أنفسكم من حرمة علم أنتم جاهلوه لكونكم أعداء لما تجهلون ، كتحريم بعض المتشبّهين بالفقهاء ومنعه عن مثل علم الكلام والهيئة ، وكمنع المتفلسفة عن الحكمة الحقيقيّة والعلوم الشّرعيّة ما سوى اصطلاحاتهم واقيستهم المأخوذة من أسلافهم ، وكتحريم المتصوّفة ما سوى مأخوذاتهم من اقرانهم ، وامّا العالم الحقيقىّ فانّه لجامعيّته لا يقول بحرمة شيء من ذلك بل يقول بحلّيّة الجميع بشرط كون الأخذ على اتّباع وتقليد من الأنبياء (ع) وأوصيائهم ونوّابهم وكان الأخذ بإذن منهم فيقول : جملة العلوم إذا أخذت من أهلها وعلى وجهها فهي محلّلة وإذا لم تؤخذ من أهلها أو لا على وجهها فهي محرّمة ، ويقول الحلال ما احلّه الله والحرام ما حرّمه الله والمبيّن هو النّبىّ (ص) أو من كان مأذونا منه بلا واسطة أو بواسطة ، فانّ الاذن والاجازة كما يصحّح العمل