والأرض رأى رجلا وامرأته على معصية الله فدعا عليهما فأهلكا وبعد كمال النّبوّة يجادل في قوم لوط مع انّه (ع) كان يراهم على معاصي الله وعلى اشدّها (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ) غير عجول على المسيء بالمؤاخذة وبالدّعاء عليه (أَوَّاهٌ) كثير الدّعاء (مُنِيبٌ) راجع الى الله في كلّ ما يرى (يا إِبْراهِيمُ) قلنا على السنة رسلنا أو قالت الملائكة يا إبراهيم (أَعْرِضْ عَنْ هذا) اى سؤال دفع العذاب والمجادلة فيهم (إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) باهلاكهم ولا مردّ له (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) فلا فائدة في جدالك (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ) لانّهم أتوه بصور غلمان فخاف تفضيحهم لعلمه بسيرة قومه (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) كناية عن العجز عن الحيل في دفع الشّدّة كأنّه لا يمكنه مدّ اليد الى شيء في دفعها (وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ) شديد بليّته لعدم حياء قومي وعدم قدرتي على دفعهم وكمال اهتمامي في محافظة أضيافي (وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ) يسرعون كأنّهم يدفعون لطلب الفاحشة من أضيافه (وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) بحيث لم يبق لهم حياء وتجاهروا بفعلهم وطلبوا الفاحشة من أضيافه (قالَ يا قَوْمِ) يعنى قالوا أعطنا اضيافك فانّك شاركتنا في فعلنا فقال يا قوم (هؤُلاءِ بَناتِي) يريد التّزويج بهنّ أو مقصوده أزواجهم فانّهنّ كنّ بناته لكون كلّ نبىّ أبا أمّته ومقصوده كما في الخبر ان يأتوا من أدبارهنّ لانّه قد علم انّهم لا يريدون الفروج (هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) من حيث الإثم أو من حيث الجسم ولذلك ورد عن الرّضا (ع) انّه قال احلّه آية من كتاب الله قول لوط (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) وقد علم انّهم لم يريدوا الفروج (فَاتَّقُوا اللهَ) في هذا الفعل الشّنيع (وَلا تُخْزُونِ) لا تخجلوني من الخزاية بمعنى الحياء أو لا تفضحوني من الخزي (فِي ضَيْفِي) فانّ إخزاء ضيف الرّجل اخزاؤه (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) يهتدى الى الحقّ ويرعوى عن القبيح (قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ) حاجة وميل (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ) من إتيان الذكّران (قالَ) بعد عجزه عن النّصح والمحاجّة متمنّيا ما ليس له الوصول اليه باعتقاده (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ) بمدافعتكم (قُوَّةً) بنفسي (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) قوىّ على دفعكم حتّى أدفعكم به استعار لفظ الرّكن الّذى هو الجبل الّذى لا يمكن تحريكه أو قاعدة البيت الّتى هي كذلك للقوىّ الممتنع عن إزعاجه ، نقل انّه قال جبرئيل انّ ركنك لشديد افتح الباب ودعنا وايّاهم (قالُوا) اى الملائكة بعد ما رأوا عجزه عن دفعهم ونهاية تضجّره بهم تعريفا لا نفسهم تسكينا لا لاضطرابه (إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ) فلا تغتمّ (لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) بما يريدون (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) مظلما كذا روى عن علىّ (ع) (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) يعنى لا يتخلّف وعلى هذا فقوله (إِلَّا امْرَأَتَكَ) استثناء من أحد أو لا ينظر الى وراءه وعلى هذا فهو استثناء من أهلك (إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ) تعليل (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) جواب سؤال مقدّر أو كان مذكورا فأسقطه تعالى ايجازا كأنّه قال استعجالا بالعذاب : متى كان موعد عذابهم؟ ـ فقال : انّ موعدهم الصّبح ، روى انّه قال : متى موعد إهلاكهم؟ ـ قالوا : الصّبح ، فقال : أريد أسرع من ذلك لضيق صدره بهم فقالوا (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) ومن هذا يظهر فضل مقام إبراهيم (ع) على مقام لوط (ع) مع انّه كان يراهم على الفاحشة