مثل لوط أو أزيد وأتمّ لانّه كان له رؤية الملكوت فيرى ما كان غائبا عن لوط (ع) ومع ذلك يجادل في دفع العذاب ولوط (ع) يستعجل بالعذاب (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) بان جعل جبرئيل جناحه في أسفلها ثمّ رفعها الى السّماء ثمّ قلبّها عليهم (وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) معرّب «سنگ گل» اى الطّين المتحجّر (مَنْضُودٍ) نضد واعدّ لعذابهم أو متتابع في النّزول عليهم وألصق بعضه ببعض (مُسَوَّمَةً) معلّمة بالنّقاط للعذاب (عِنْدَ رَبِّكَ) متعلّق بمسوّمة أو ظرف مستقرّ حال من المستتر في مسوّمة (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) تعريض بأمّة محمّد (ص) والمراد مطلق من ظلم أو من ظلم مثل ظلمهم بإتيان الذّكور روى انّه من مات مصرّا على اللّواط لم يمت حتّى يرميه الله بحجر من تلك الأحجار فيكون فيه منيّته ولا يراه أحد وقصّة لوط (ع) وقومه وسوء فعلهم وخراب ديارهم مذكورة في المفصّلات (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) كانوا يعاملون بنقص الميزان إذا أعطوا واستيفائه إذا أخذوا ، فنهاهم عن سوء صنيعهم (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) ان تركتم البخس في المعاملة (وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) بعذابه كلّ النّاس أو بجميع جوانب كلّ أحد أو محيط بجميع ايّام الدّنيا ، وعد ووعيد كما هو شأن الأنبياء (ع) في دعوتهم حيث يجمعون بين التّبشير والإنذار (وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) تصريح بمفهوم النّهى تأكيدا ورفعا لتوهّم ان يريد بالنّهى عن النّقص الأمر بإعطاء الزّيادة فانّ مفهوم مخالفته اعمّ من الإيفاء وإعطاء الزّيادة ولذا قيّد الإيفاء بقوله (بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) تعميم لمطلق الأشياء مكيلة كانت أو موزونة أو غيرها وتأكيد آخر فانّهم لمّا كانوا مصرّين على التّطفيف كان التّأكيد في النّهى عنه والأمر بالإيفاء مطلوبا (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) حال تأكيدىّ وتعميم آخر ونهى عن مطلق الإفساد. اعلم ، انّ الآية كما تجري في الاعراض الدّنيويّة تجري في الأوصاف النّفسانيّة من حسن المعاشرة وترك سوء الخلق مع المعاشرين والإنصاف معهم وترك طلب الإنصاف منهم وحسن الظّنّ بهم واتّهام نفسه فيهم وستر العيوب منهم ورؤية العيوب من نفسه والاعتذار لهم والملامة لنفسه ، وكما تجري في العالم الكبير تجري في العالم الصّغير والمعاملة مع أهل مملكته ، وكما تجري في المعاملة بين الشّخص وسائر الخلق تجري في المعاملة بينه وبين الله ، فلا تغفل عن تعميم الآية ، بل ينبغي للنّاظر المتدبّر في الآيات الالهيّة ان ينظر ويتدبّر اوّلا في مصداق كلّ آية في وجوده ومملكته ثمّ ينظر في مصاديقه الخارجيّة ولا يخصّص الآية بمن نزلت فيه ، مثلا إذا تلا آية فيها ذكر فرعون وموسى (ع) فلينظر اوّلا الى وجوده وفرعون مملكته الدّاعى للالهة والاستقلال والاستبداد ، وموسى وجوده الدّاعى لأهل مملكته وفرعونهم الى الإقرار بالله والانقياد له ، ثمّ لينظر الى حال موسى (ع) وفرعون ومالهما وما عليهما ليعتبر بذلك ويعين به موسى وجوده على دعوته ، ثمّ لينظر الى موسى زمانه وفرعونه ليعتبر بهما ويقيس حالهما الى من مضى وينزجر عن فرعونه ويطلب موساه ليعين أيضا بذلك موسى وجوده ويفرّ من فرعونه (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ) يعنى ما يبقى لكم من مكاسبكم من دون ارتكاب البخس والتّطفيف والاضافة الى الله للاشارة الى انّ المعطى هو الله وانّ المكاسب وسائل إعطاء الله سترا على إعطائه لئلّا ينصرفوا عن المكاسب ، أو بقيّة الله من الفطرة الالهيّة واللّطفيّة السّيّارة الانسانيّة والعقل وجنوده