بعد احاطة النّفس وشهواتها والشّيطان واغوائه والجهل وجنوده بمملكتكم خير لكم من قضاء الشّهوات والآمال الّتى زيّنها الشّيطان ، أو بقيّة الله من خلفائه في أرضه الدّاعين لكم اليه خير لكم من رؤسائكم في ضلالتكم وكان هذا القول منه تلويحا الى نفسه (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) تقييد بالايمان فانّ بقيّة الله لغير المؤمن نقمة وعذاب أو شرط تهييجىّ لانّهم كانوا مدّعين انّهم مؤمنون بالله وأصنامهم شفعاؤهم عند الله (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) ضمّنه مثل معنى الوكالة والمراقبة فعدّاه بعلى اى ما انا وكيل عليكم بحفظكم من الشّيطان ومن شرور أنفسكم (قالُوا) في جوابه عن دعوته الى التّوحيد وترك الفساد في الأعمال (يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) استهزءوا به بتحقير صلوته من حيث انّها كانت غريبة في انظارهم شبيهة بأفعال المجانين لانّهم ما رأوا مثلها من أمثالهم وبتعظيم عبادة أصنامهم متوسّلا في ذلك بانّها كانت فعل آبائهم وانّهم اعتادوها وأخذوها من أسلافهم (أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) بالتّطفيف (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) من قبيل استعمال الضّدّ في الضّدّ تهكّما واستهزاء اى انّك ذو طيش سفيه أو تهييج له على ارتداعه عن دعواه وموافقته لهم يعنى انّك كنت رجلا حليما لا يرجى منك ما يظهر من أمثال الصّبيان ، رشيدا لا ينبغي ان يصدر منك افعال السّفهاء والمجانين (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) قد مضى بيان البيّنة (وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) اشارة الى موائد الولاية فانّها الرّزق الحسن ، والجزاء محذوف اى انصرف عن دعواي؟ وأخف غير مولاي؟! (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) يعنى ليس مطمح نظري دنياكم حتّى تكذّبونى بمنزلة ما أسألكم عليه مالا (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) لمّا نسب الارادة الى نفسه تبرّى عن استقلاله فقال (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) يعنى لا انظر في فعلى ودعوتي الى نفسي وحولي وقوّتى ولا في غاية فعلى الى غير ربّى فالآية اشارة الى التّبرّى من حوله ومن النّظر الى غاية سوى مولاه (وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي) لا يكسبنّكم كسبا سيّئا (أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) يعنى ان كان زمان الأمم السّالفة بعيدا منكم ولستم تعتبرون منهم لعدم مشاهدة آثار هلاكهم بعصيانهم فقوم لوط غير بعيد منكم تشاهدون آثارهم وتتسامعون أخبارهم فاعتبروا بهم واجتنبوا عن مثل أفعالهم في مخالفة نبيّهم وهو تهديد لهم بهلاك الامام الماضية بمخالفتهم رسولهم (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) قد مضى تفسيره في هذه السّورة (قالُوا) بعد ما لم يقدروا على الاحتجاج معه (يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) استهزؤا بقوله وهدّدوه بقولهم (وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) فيمنعنا عزّة وجودك علينا عن قتلك ورجمك (قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ) يعنى ترقبون في حقّى رهطي ولا ترقبون ربّى وربّى الّذى أرسلني إليكم اولى بالتّرقّب (وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) الظّهرىّ من كان وراء الظّهر منسوب الى الظّهر بالفتح بتغيير هيئته أو منسوب الى الظّهر بالكسر لكنّه لم يستعمل في غير النّسبة وهو عطف بيان أو بدل أو حال تأكيدىّ أو مفعول