والّذى بعثني بالحقّ بشيرا ونذيرا انّ أحدكم ليقوم الى وضوئه فتساقط عن جوارحه الذّنوب ، فاذا استقبل الله بقلبه ووجهه لم ينفتل وعليه من ذنوبه شيء كما ولدته أمّه (ذلِكَ) اى اذهاب الحسنات للسّيّئات أو قول انّ الحسنات يذهبن السّيّئات (ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) اى تذكّر لهم لما يرونه في وجودهم وعالمهم من انمحاء السّيّئات بالحسنات ومن غسل الصّلوة لدرن الذّنوب عن وجودهم والمراد بالّذاكرين من كان شأنهم تذكّر المساوى الحاصلة لهم من أفعالهم الشّنيعة وهم الّذين قبلوا الولاية ودخلوا الأبيات من أبوابها وذكروا الله من جهة ذكره (وَاصْبِرْ) على أذى قومك حتّى لا يخرجك عن الاستقامة ولا يدخلك في الطّغيان والرّكون الى غير الله وعلى الطّاعات خصوصا الصّلوات الخمس بإتيانها بجميع شرائطها (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) وضع المظهر موضع المضمر ليكون كالبرهان ويكون تلويحا الى الأمر بالإحسان الى المسيء ووجه اختلاف الخطاب في تلك الآيات من قوله فاستقم الى قوله واصبر بالخصوص والعموم غير خاف على المتأمّل في لطائف الخطاب (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ) بعد ما نهى عن الطّغيان وذكر مسيس النّار بالرّكون الى الظّالم وانّ الصّلوة حسنة وانّ الحسنات يذهبن السّيّئات وامر بالصّبر على الطّاعات وأذى القوم وأشار الى الأمر بالإحسان ، وبّخهم على ترك النّهى عن الطّغيان والرّكون وعلى عدم الصّبر على الأذى والطّاعات مشعرا بتسبّبه عمّا قبله بإتيان الفاء ، اى إذا كان الأمر هكذا فأنتم موبّخون على ترك النّهى عن هذا الأمر العظيم الّذى يدخل بسببه عباد الله النّار ، والمراد بالبقيّة هو بقيّة الله وقد مضى في تفسير بقيّة الله انّ العقل وجنوده رسول الله الى العالم الصّغير وبعد استيلاء الشّيطان على مملكة هذا العالم فان بقي من العقل وجنوده شيء كان الإنسان ذا بقيّة من جنود الله والّا فلا (يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ) ارض العالم الصّغير وارض العالم الكبير (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ) استثناء متّصل من أولوا بقيّة باعتبار النّفى المستفاد من اداة التّخصيص اى ما كان من القرون أولوا بقيّة من رسول الله الباطنىّ أو الظّاهرىّ الّا قليلا هم من أنجينا أو بعض ممّن أنجينا أو ناشئا ممّن أنجينا ومتولّدا منهم ، ومنهم ظرف لغو أي أنجينا من بينهم حين هلاكهم أو أنجيناهم من شرّ تلك القرون أو ظرف مستقرّ اى ممّن أنجينا حالكونهم بعضا من القرون أو متولّدا منهم (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ) عطف للحاظ المعنى كأنّه قال : فنهى اولو البقيّة واتّبع الّذين ظلموا ما أترفوا فيه وتركوا النّهى طلبا للرّاحة وخوفا من أذى القوم وزوال النّعمة والآية توبيخ لأهل عصر الرّسول (ص) وبيان لذمائمهم (وَكانُوا مُجْرِمِينَ) تمرّنوا عليه وصار الاجرام سجيّة لهم (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ) اى بظلم صادر من بعضهم أو بظلم منّا لهم من دون استحقاقهم بسوء أعمالهم وجرائمهم (وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) تهديد عن الاجرام وترغيب في الإصلاح في العالم الكبير والصّغير (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) على دين واحد متوجّهين الى مقصد واحد دفع توهّم نشأ من التّهديد والتّرغيب من انّهم مستقلّون في الإصلاح والاجرام وتسلية للنّبىّ (ص) عن حزنه على اختلافهم (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) أبدا كما لم يزالوا مختلفين ازلا (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) قد مرّ مرارا انّ الولاية المطلقة هي رحمة الحقّ وانّ صورتها النّازلة المتصوّرة بصور الحروف والنّقوش المعبّر عنها بالايمان الدّاخل في القلب وانّ ملكوت الامام السّاكنة في القلب صورة الرّحمة وحقيقتها وقد حقّق