لكونه من أمّه دونهم (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) جماعة أقوياء على دفع الضّرّ وجلب النّفع له دونهما ، والعصبة كما قيل من العشرة الى الأربعين (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ظاهر رتّبوا قياسا بعقولهم منتجا لضلال أبيهم وترتيب القياس هكذا : نحن أقوى منهما وكلّ من كان أقوى كان اولى بالمحبّة فنحن اولى بالمحبّة وأبونا اختار غير الاولى على الاولى وكلّ من اختار غير الاولى على الاولى فهو ضالّ عن طريق العقل وحكمه فأبونا ضالّ ، لكن قياسهم الخيالىّ كان سقيما عقيما عند العشق وسلطانه ، لانّ العشق ارفع من ان يعارضه الخيال أو يداخله القياس وأعظم شأنا من ان يناط بالأسباب بل هو من صفات الله العليا يعطى منه ما يشاء لمن يشاء ، كما سنحقّقه ان شاء الله في بيان عشق امرأة العزيز ليوسف (ع) (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً) مجهولة (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) عن مزاحمة التّوجّه الى يوسف (ع) (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ) بعد يوسف وقتله أو طرحه (قَوْماً صالِحِينَ) بان تتوبوا الى الله ثمّ تعبدوه في أوامره ونواهيه وهذا دليل على انّهم في ذواتهم كانوا طيّبين وانّما عرض ذلك لهم من الشّيطان (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) قيل : كان القائل يهودا وورد أنّه كان لاوى وهو الّذى بقي النّبوّة في عقبه (لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ) عظّم القتل ونهاهم عنه ووضع الظّاهر موضع المضمر تعليلا للنّهى بتذكيرهم انّه يوسف (ع) وابن أبيهم وأحبّهم اليه ليعظّموا قتله أيضا (وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) قعره الّذى يغيب عن الانظار (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) فيذهب به عن أرضكم ويبعّده عن أبيكم (إِنْ كُنْتُمْ) لا محالة (فاعِلِينَ) به ما يفرّق بينه وبين أبيه (قالُوا) بعد ما عزموا على ما أرادوا (يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) أظهروا الشّفقة عليه بعد ما أنكروا عدم اطمينانه (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ) النّظر في الازهار (وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) عطف على يرتع والعدول عن الفعليّة لتأتّى التّأكيدات من اسميّة الجملة وانّ واللّام وتقديم الجارّ فانّه يشعر بالاهتمام به المستلزم لحفظه (قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) لشدّة محبّتى له وقلّة صبري عن مفارقته (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) قيل : انّ الأرض كانت مذئبة ؛ وما في الاخبار يشعر بأنّها لم تكن مذئبة لكنّه ورّى عن حسدهم وحقدهم وأظهر انّه يخاف الّذئب الصّورىّ كما في الخبر : لا تلقّنوا الكذب فتكذبوا فانّ بنى يعقوب (ع) لم يعلموا انّ الذّئب يأكل الإنسان حتّى لقّنهم أبوهم ، وورد في سبب ابتلاء يعقوب (ع) انّه ذبح كبشا سمينا ورجل من أصحابه محتاج لم يجد ما يفطر عليه فأغفله ولم يطعمه ، وورد انّه كان له جارية ولدت ابنا وماتت امّ يوسف (ع) في نفاس بنيامين وكانت الجارية تربّى بنيامين وترضعه وكان ابنهار ضيع بنيامين فأخذه يعقوب (ع) منها بعد كبره أو بعد مراهقته وباعه فأخذت الجارية من فراقة حرقة وتضرّعت الى الله فسمعت هاتفا يقول : يبتلى يعقوب (ع) بفراق احبّ أولاده ولا يصل اليه الّا وتصلين أنت قبل ذلك الى ولدك (وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) جماعة أقوياء (إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) هذا على عادة العرف تقول : ان وقع كذا فانا ملوم أو افعل بى ما شئت والّا فليس هو جوابا له (ع) ، أو هو جواب بأبلغ وجه كأنّهم ادّعوا بعصابتهم وقوّتهم محاليّة أكل الّذئب له فكأنّهم قالوا أكل الّذئب له مستلزم لخسراننا وخسراننا محال فهو محال (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) جزاؤه محذوف اى القوه فيها (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) وحيا بتوسّط الملك كما في أخبارنا ؛ ورد انّه كان ابن سبع سنين أو تسع سنين وقيل :