انّه كان ابن سبع عشرة سنة (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بانّك يوسف (ع) وهو قوله هل علمتم ما فعلتم الآية (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ) بعد ما ذبحوا جديا ولطّخوا قميصه بدمه (قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) الاستباق التّسابق في الرّمى ، والتّسابق في الخيل ، والتّسابق في العدو ؛ وهو المراد هنا (وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) مصدّق لنا (وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) ذي كذب أو مكذوب أو كاذب أو وصف بالمصدر للمبالغة ووصف الدّم بالكذب باعتبار انّه خلاف ما اظهروه ، ورد انّه (ع) قال بعد أخذ القميص ما كان اشدّ غضب ذلك الّذئب على يوسف (ع) واشفقه على قميصه حيث أكل يوسف (ع) ولم يخرق قميصه (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ) سهّلت (لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) عظيما هو أذى يوسف من غير جرم وأذى نبىّ الله والكذب لنبىّ الله (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) هذه الكلمات كانت في الشّرائع الماضية مثل كلمة الاسترجاع في الشّريعة المحمّديّة (ص) وأصلها فاصبر صبرا جميلا ، أسقط الفعل وأقيم المصدر مقامه ثمّ عدل الى الرّفع نظير سلاما وسلام فعلى هذا كان تقدير : لي صبر جميل ، اولى من تقدير صبري صبر جميل ، أو صبر جميل صبري ، أو أمرى صبر جميل ، لانّ تعلّق المصدر بالفاعل والمفعول وربطه به بواسطة حرف الجرّ بعد حذف الفعل واقامة المصدر مقامه منصوبا ومرفوعا مطّرد مثل ظنّا منهم وسلام منّا عليك والحمد لله وحمدا لله (وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) من هلاك يوسف (ع) اى على الصّبر عليه (وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ) جماعة سيّارة للتّجارة وفي لفظ السّيّارة اشعار بانّ السّير كان شغلهم وقصّته انّ مالك بن زعر الّذى كان أمير العير وكان من ولد إبراهيم الخليل (ع) بأربعة آباء ، رأى رؤيا عبّروها له بالتقاط غلام في ارض كنعان يكون له فيه خير كثير في الدّنيا والآخرة ، وكان رؤياه قبل ذلك بخمسين عاما ، وكان يمرّ في تلك المدّة على ارض كنعان بعيره كلّ عامّ مرّة وفي ذلك العام ضلّ الدّليل الطّريق ومرّوا على ذلك البئر بعد مضىّ ثلاثة ايّام أو خمسة ايّام أو سبعة ايّام من إلقاء يوسف فيه ، وقيل : انّ البئر كان على طريق المارّة ، ويستفاد من قوله تعالى يلتقطه بعض السّيّارة انّ البئر كان على طريق المارّة (فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ) الّذى يرد الماء ليستقى للنّاس والدّوابّ (فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى) جواب سؤال كأنّه قيل : ما رأى وما فعل بعد إخراج الدّلو ، ونداء البشرى اشارة الى غاية سروره واستبشاره كأنّه تمثّل البشرى لديه فاستبشرها بشهود الغلام ، وقيل : كان له صاحب اسمه بشرى فناداه ليبشّره بشهود الغلام (هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ) اى الوارد وخواصّ أصحابه كتموا التقاطه من البئر لئلّا يمتدّ اليه اطماع الرّفقة ، أو كتموا نفس يوسف (ع) لئلّا يراه رفقتهم فيطمعوا فيه ، أو اسرّوا بمعنى أظهروا ، ويحتمل رجوع ضمير الفاعل الى اخوة يوسف (ع) كما يحيء (بِضاعَةً) حال من مفعول اسرّوه ، قيل : انّ يهودا كان يأتى كلّ يوم الى البئر ويتعاهد يوسف (ع) ويأتى له بطعام فلمّا جاء اليوم الى البئر لم يجد يوسف (ع) فيه فأتى العير فوجده هناك وأخبر اخوته فجاؤا الى العير وكتموا أمر يوسف (ع) وهدّدوه من القتل حتّى أقرّ بالعبوديّة فعابوه بالسّرقة والإباق (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ وَشَرَوْهُ) منهم ويحتمل إرجاع ضمير الفاعل الى الوارد ورفقته أو الى السّيّارة وكون الشّراء بمعنى الاشتراء (بِثَمَنٍ بَخْسٍ) مغشوش أو قليل (دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) عشرين