السّفليّة الى الانسانيّة العالية مقتضيا لنزاهة النّفس عن الأدناس والارجاس موجبا لقرب الحقّ الاوّل تعالى ، لانّ تعشّقها ليوسف انتهى بها الى محبّة الله ومشاهدة جماله والاستغناء عن مشاهدة المظاهر فضلا عن المواقعة والسّفاح كما ورد انّ يوسف (ع) افتتن بها وهي استغنت عنه بالله تعالى وتحقيق ذلك يستدعى تحقيق معنى العشق والمحبّة وبيان حقيقته ومراتبه ؛ فنقول ومنه الاعانة والتّوفيق : العشق من صفات الله العليا وبه دعمت السّماوات والأرضون وهو الّذى ملأ أركان كلّ شيء ولولاه لما كان ارض ولا سماء ولا ملك ولا ملكوت وهو يساوق الوجود ، حقيقته حقيقة الحقّ الاوّل تعالى وهو بإطلاقه غيب مطلق لا اسم له ولا رسم ولا خبر عنه ولا اثر ولذا قيل :
هر چه گويم عشق را شرح وبيان |
|
چون بعشق آيم خجل مانم ازان |
عقل در شرحش چو خر در گل بخفت |
|
شرح عشق وعاشقى هم عشق گفت |
لانّ العشق كالوجود لا يكتنه ولا يحاط لانّه عين الواقع وحاقّ التّحقّق فلو أدرك بالكنه لا نقلب الواقع ذهنا والواقعىّ ذهنيّا. وأيضا حقيقة العشق المطلق كحقيقة الوجود المطلق منزّه عن ادراك الحسّ والخيال والعقل للزوم السّنخيّة بين المدرك والمدرك بل لزوم الاتّحاد بينهما ولا سنخيّة ولا اتّحاد بين المطلق والمقيّد ولذلك ورد هو مع كلّ شيء ، هو معكم أينما كنتم وهو حقيقة كلّ شيء وهو بفعله كلّ الأشياء ولا شيء من الأشياء معه :
آنجا كه توئى چو من نباشد |
|
كس محرم اين سخن نباشد |
وأيضا العشق المقيّد الّذى هو من اجلّ أوصاف الإنسان وبه تميّزه عن سائر الحيوان وفي الحقيقة هو فعليّته وبه تحقّق انسانيّته لا يدرك حاله بالحال والقال ولا بالعقل والخيال لخروجه عن سلطان العقل فكيف بعقال الخيال ، فانّه يقتضي الدّهشة والحيرة والاسترسال عن انتظام الحركات وتدبير الأمور كالجنون والاختبال ولا يدرك العقل المقتضى للتّدبير وحفظ النّاموس حقيقة تلك الأحوال لتقيّده واسترسال العشق ، ولهذا ظنّ العقلاء من الحكماء انّه جنون من اختلال في الدّماغ أو فساد في المزاج وترقّى بعضهم لانّه لم يدرك له سببا طبيعيّا فقال : انّه جنون الهىّ. فالعشق كالوجود مرتبة منه واجب الوجود وليس لأحد الكلام فيه إذا بلغ الكلام الى الّذات فأمسكوا ، ومرتّبة منه العشق المطلق والحقّ المضاف الّذى به قوام كلّ شيء وهو اضافة الحقّ تعالى الى الأشياء وهو حقيقة كلّ ذي حقيقة وبه معيّته وقيّوميّته وهو الظّاهر والباطن والاوّل والآخر وهو بكلّ شيء محيط ، وبه يقال بسيط الحقيقة كلّ الأشياء وليس شيئا من الأشياء ولا يبقى معه شيء وان كان هو مع كلّ شيء. ومرتبة منه المجرّدات الصّرفة بسعتها وعدم نهايتها ، ومرتبة منه النّفوس ، ومرتبة منه الأشباح النّوريّة وعالم المثال وفيه جنان أصحاب اليمين ، ومرتبة منه المادّيّات وعالم الطّبع وفيه التّكليف والتّرقّى الى عالم المجرّدات النّوريّة والتّنزّل الى عالم الأرواح الخبيثة ، ومرتبة منه عالم الأرواح الخبيثة وفيه جحيم الأشقياء ، وهناك يتمّ نزول العشق ومن هناك ابتداء الصّعود كما أشير اليه في أخبارنا ، بانّ الجنّ منهم مؤمنون اى متصاعدون عن مقام الأرواح الخبيثة أو ابتداء الصّعود من عالم الطّبع كما عليه معظم أهل النّظر والبيان ، ولمّا كان عالم الطّبع مكتنفا بالاعدام موصوفا بالتّضادّ والتّعاند ملفوفا بالغيبة والفقدان ، بحيث لا يدرك منه أهل الحسّ والخيال العشق والمحبّة لكونهما مسبوقين بالعلم والحيوة ولا يدركون منه حيوة ولا شعورا ما سمّوا ميل الطّبائع الى أحيازها ولا عشقها لحفظ موادّها وصورها ولا ميل النّبات في حركاتها ولا ميل الحيوان في ارادتها عشقا ، بل فرّقوا بين مراتب الطّلبات فسمّوا طلب الاجرام الثّقال والخفاف لا حيازها عند الخروج عنها ميلا ، وعشق الجماد لبقاء صورته حفظا ، وعشق النّبات للنموّ وتوليد المثل تنمية وتوليدا ، وطلبه للغذاء جذبا ، وعشق الحيوان للغذاء والسّفاد شهوة ، وعشقها