لأولادها من حيث انّه يشبه انس الإنسان حبّا ، وسمّوا حبّ الإنسان من حيث انّه إنسان باعتبار مراتبه من الشّدّة والضّعف وباعتبار متعلّقه بالميل والشّهوة والحبّ والعشق والشّوق ؛ فسمّوا اوّل مراتبه ميلا ، وإذا اشتدّ بحيث يتمالك معه شهوة وحبّا ، واشدّ مراتبه بحيث لا يتمالك معه عشقا ، إذا كان الحبّ للمحبوب الموجود ، وإذا كان للمحبوب المفقود يسمّى شوقا ، وقد يطلق كلّ على كلّ. والحبّ على المعنى الاعمّ وعلى مراتب عشق الحيوان والنّبات حقيقة أو على سبيل المشاكلة ، ويسمّى عشق الإنسان من حيث نفسه الحيوانيّة بالهوى والشّهوة ، ويطلق الحبّ على جملة المراتب فيكون اعمّ من الكلّ ، ولا شكّ انّ الهوى والشّهوة والميل والحبّ والشّوق الغير الشّديد من لوازم وجود الإنسان ولا يمكن بقاء الشّخص ولا بقاء النّوع ولا عمارة الدّنيا والآخرة الّا بها فهي من الكمالات المترتّبة عليها غايات ومصالح عديدة. وامّا العشق والشّوق اللّذان لا يتمالك معهما الإنسان ولا يكونان الّا متعلّقين بصور الحسان وقد يتعلّقان بأصوات القيان وتناسب الالحان فقد اختلف كلمات أصحاب البيان وأرباب الّذوق والوجدان في انّهما من الخصائل أم من الرّذائل؟ فقال أكثر العقلاء : انّ العشق رذيلة مستلزمة لرذائل كثيرة وأوصاف مذمومة مثل البطالة في الدّنيا والقلق والدّهشة وسهر اللّيالى واصفرار اللّون واغورار العين وخروج الحركات عن ميزان العقل ، ولذا قيل : انّه جنون الهىّ أو مرض سوداوىّ وجنون حيوانىّ وعدم الانتزاع بالنّصح والرّدع بل اشتداده به كما قال المولوىّ :
سخت تر شد بند من از پند تو |
|
عشق را نشناخت دانشمند تو |
وعدم الخوف من التّخويف بالحبس والقتل كما قال أيضا :
تو مكن تهديدم از كشتن كه من |
|
تشنه زارم بخون خويشتن |
گر بريزد خون من آن دوست رو |
|
پاى كوبان جان بر افشانم بر أو |
والوحشة من أبناء النّوع وطلب العزلة والخلوة عنهم وجعل الهموم مقصورة على لقاء المعشوق نافرا عن كلّ شغل سواه ولو في ترك العبادات والأعمال المعاديّة كما قال أيضا :
غير معشوق ار تماشائى بود |
|
عشق نبود هرزه سودائى بود |
عشق آن شعله است كه چون برفروخت |
|
هر چه جز معشوق باقى جمله سوخت |
واقتضاؤه في بعض الأحيان للفجور واشتداد الشّهوة الحيوانيّة بحيث لا يتمالك عنه ويدخل فيما منعه الشّارع ، وهذا كلّه من الرّذائل والمناهي الشّرعيّة التّحريميّة أو التّنزيهيّة ، وقال بعض أهل النّظر وجملة العرفاء والصّوفيّة : انّه من حيث هو من الفضائل النّفسانيّة وان صار بالنّسبة الى من غلب عليه البهيميّة رذيلة بالعرض وبالنّسبة الى من هو مشغول بالله صارفا عن الأشرف الى الاخسّ.
وتحقيق الحقّ في ذلك ان نقول : شرافة الأوصاف امّا بشرافة مباديها أو محالّها أو بشرافة لوازمها أو متعلّقاتها أو غاياتها ؛ والكلّ مجموعة في عشق الإنسان للصّور الحسان والحان القيان وتخلّف البعض في بعض الأحيان بعارض لا ينافي الاقتضاء الذّاتيّ لو لم يعارضه عارض ، فانّ مبدأه القريب لطافة النّفس ودقّة الإدراك ورقّة القلب ، ولذا ترى النّفوس الغليظة والقلوب الجافية منه خالية كالاكراد الّذين لا يعرفون منه الّا السّفاد ومبدأه البعيد هو الله بتوسّط المبادى العالية باعداد الأبصار أو السّماع واستحسان شمائل المعشوق ، فانّ عشق كلّ عاشق ظلّ ومعلول لعشق الاوّل تعالى لا كمعلوليّة الأوصاف القهريّة له تعالى فانّها معلولة له بالعرض أو بتوسّط المبادى القهريّة ، فانّ كمال الوجود من حيث هو وجود ينتهى الى الوجوب ومحلّ تحقيقه الحكمة العالية ولا شكّ في شرافة ذلك كلّه ومحلّه النّفس الانسانيّة الّتى هي الصّراط المستقيم الى كلّ خير وهي الجسر الممدود