منها لانّهنّ كنّ يرغّبنه على اجابة زليخا ويخوّفنه منها ويدعونه خفية الى انفسهنّ ولمّا كان المراد من إظهار احبّيّة السّجن والصّبا إليهنّ لو لم يصرف كيدهنّ دعاء الخلاص منهنّ قال تعالى (فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَ) بنجاته من ايديهنّ بإرادتهنّ السّجن له (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لدعاء كلّ داع أو لكلّ صوت ومنه دعاء الدّاعين (الْعَلِيمُ) بما يصلح كلّ أحد (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) لمّا رأت امرأة العزيز انّها افتضحت بين النّاس ولم تصل الى وصال يوسف (ع) شاورت خواصّها فدبّرن ان يرسلوه الى السّجن حتّى ينتشر في النّاس انّ الإثم كان منه ، ولعلّه يرضى بمواصلتها بعد ما ذاق مرارة السّجن فسألت زليخا من العزيز ان يرسله الى السّجن فشاور خواصّه فأشاروا اليه بذلك فاستقرّ رأى الجميع على سجنه ولذلك قال تعالى : بدا لهم اى للمرأة وخواصّها وللعزيز وخواصّه والمراد بالآيات آيات صدقه وطهارة ذيله من تنطّق الصّبىّ وقد القميص من الدّبر واستباقهما الباب حتّى سمع العزيز مجاذبتها ايّاه على الباب وقطع النّسوة ايديهنّ (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) مدّة قليلة ليسحب النّاس انّه كان الآثم (وَدَخَلَ) ادخل (مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ) كانا عبدين للملك أحدهما كان خبّازه والآخر صاحب شرابه واستعمال الفتى والفتاة في العبيد والإماء غالب في عرفهم وقيل : انّه لمّا ادخل السّجن استدعى من السّجّان ان ينزله تحت شجرة يابسة كانت في وسط السّجن فآواه هناك فتوضّأ (ع) تحتها وصلّى فأصبحت الشّجرة مخضّرة ، وكان ينصح أهل السّجن ويسلّيهم ويعظهم ويتعاهدهم كلّ صباح ومساء فعرفوه بالصّلاح واحبّوه وكان يبثّ كلّ شكواه اليه ورأى في المنام صاحباه ما قصّ الله تعالى فأتيا (قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) اى عصيرا أو عنبا ، واطلاق الخمر للاشارة الى انّه يعصره للخمر أو المراد انّى أعصر الخمر عن درديّها واصفّيها (وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً) جفنة فيها خبز (تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ) ورد عن الصّادق (ع) انّه لمّا امر الملك بحبس يوسف (ع) في السّجن ألهمه الله تعالى علم تأويل الرّؤيا فكان يعبّر لأهل السّجن رؤياهم وانّ فتيين ادخلا معه السّجن يوم حبسه فباتا فأصبحا فقالا : انّا رأينا رؤيا فعبّرها لنا فقال : وما رأيتما؟ فقصّا (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) من صاحبي السّجن أو ممّن يحسن الى جلسائه ومعاشريه لانّه كان يقوم على المريض ويلتمس للمحتاج ويوسّع في المجلس على جلسائه أو ممّن يحسن تعبير الرّؤيا لانّه كان يعبّر لأهل السّجن ويوافق تعبيره الواقع (قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ) وكان وقت إتيان الطّعام لأهل السّجان (إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ) لمّا كان المستثنى مفرّغا وحالا ممّا قبله والحال تقتضي الاقتران بالعامل زمانا وكان مقصوده انّه يعبّره قبل الإتيان قيّده بقوله (قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما) وأخرّ التّعبير لترغيبهم في التّوحيد وتنفيرهم عن الإشراك بعد ما رأى وثوقهما به وظنّ تأثّرهما بوعظه كما هو شأن كل ناصح إذا رأى التّأثّر بنصحه ولم يكن التّأخير لتأمّله في التّعبير والّا لم يسجّل الاخبار به (ذلِكُما) العلم بتعبير الرّؤيا (مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) لا ممّا تعلّمته بنفسي من بشر مثلي كعلوم القافة والمشعبذة وغير ذلك ولا ممّا تعلّمته من الشّياطين والجنّ كعلوم الكهنة والسّحرة بل علّمنى ربّى بالوحي والإلهام من غير كسب منّى علوما كثيرة هذا أحدها ثمّ علّل تعليم الرّبّ بترك ملّتهم واتّباع ملّة الأنبياء (ع) تنفيرا وترغيبا لهما بقوله (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) عرّض بهما وورّى عن ملّتهما