بكيفيّة التّصرّف والحفظ عن الفساد والتّلف. نقل عن النّبىّ (ص): رحم الله أخي يوسف (ع) لو لم يقل : اجعلني على خزائن الأرض لولّاه من ساعته ولكنّه أخّر ذلك سنة ، وعن الصّادق (ع) انّه قال يجوز ان يزكّى الرّجل نفسه إذا اضطر اليه اما سمعت قول يوسف (ع): (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) ، أقول : كأنّ غرضه من ذلك تسلّطه على ما يحتاج النّاس اليه ليتوجّهوا اليه فيسمعوا بذلك كلامه ويبلّغ رسالته وآمن بعد ذلك الملك على يده ووكل الأمر اليه ودبّر في السّبع السّنين المخصبة في تحصيل الحبوب وحفظها وشرع في السّنين المجدبة ببيعها حتّى حصّل جميع اموال مصر ومواشيها وضياعها وعبيدها وإمائها ورقاب أهلها له وصار مالكا للكلّ ، وفي بعض الاخبار انّه بعد الخصب قال للملك : ايّها الملك ما ترى فيما خوّلنى ربّى من ملك مصر وأهلها اشر علينا برأيك فانّى لم أصلحهم لافسدهم ولم انجهم من البلاء ليكون وبالا عليهم ولكنّ الله نجّاهم على يدي قال له الملك : الرّأى رأيك قال يوسف (ع) انّى اشهد الله وأشهدك انّى قد أعتقت أهل مصر كلّهم ، ورددت عليهم أموالهم وعبيدهم ، ورددت عليك ايّها الملك خاتمك وسريرك وتاجك على ان لا تسير الّا بسيرتي ولا تحكم الّا بحكمي ، قال له الملك : انّ ذلك لشرفى وفخرى ان لا أسير الّا بسيرتك ولا احكم الّا بحكمك ، ولولاك ما قويت عليه ولا اهتديت له ولقد جعلت سلطاني عزيزا ما يرام وانا اشهد ان لا اله الّا الله وحده لا شريك له وانّك رسوله فأقم على ما ولّيتك فانّك لدنيا مكين أمين (وَكَذلِكَ) عطف على محذوف اى فأنجينا يوسف (ع) من السّجن ومثل ذلك الإنجاء (مَكَّنَّا لِيُوسُفَ) أو مثل ذلك التّمكين المتعقّب للبلايا العديدة والمتاعب الكثيرة مكّنّا ليوسف (ع) الّذى كان من أبناء انبيائنا (ع) وجعلناه نبيّا فمن أراد التّمكين في ارض العالم الكبير أو ارض العالم الصّغير فليصبر على الرّياضات والبلايا وليتسل عن الجزع في المتاعب (فِي الْأَرْضِ) ارض مصر ما جاوزها كما في الخبر (يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) لتسلّطه على جميعها بل كون الجميع ملكها حقيقة وان كان أودعها ملّاكها السّابقة كما سبق (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) جواب سؤال كأنّه قيل : لم كان ذلك التّمكين؟ ـ فأجاب بأنّ فعلنا لا يسأل عنه ولأنّه كان محسنا (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) من تمكين يوسف (ع) في الأرض (لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ) بعد ما وقع القحط وأصاب كنعان أيضا القحط ليمتاروا لأهلهم وذلك انّ يعقوب (ع) أرسل بنيه سوى بنيامين مع بضاعة قليلة وكانت مقلا كما قيل (فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ) لعدم تغيّر حالهم وتفرّس يوسف (ع) (وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) غير عارفين له لتغيّر حاله عمّا عاهدوه عليه سنّا وصورة ومرتبة وهيبة ، نقل انّه كان بينه وبين أبيه ثمانية عشر يوما وكان أبوه في بادية وكان النّاس من الآفاق يخرجون الى مصر ليمتاروا به طعاما وكان يعقوب (ع) وولده نزولا في بادية فيها مقل فأخذ اخوة يوسف (ع) من ذلك المقل وحملوه الى مصر ليمتاروا به ، وكان يوسف (ع) يتولّى البيع بنفسه فلمّا دخل اخوته عليه عرفهم ولم يعرفوه كما حكى الله عزوجل (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) لمّا اعدّ لهم ما جاؤا لأجله وما يحتاجون اليه في سفرهم ، والجهاز ما يعدّ للسّفر ممّا يحتاج اليه (قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) وذلك انّه لمّا عرفهم جعل لهم مضيفا مخصوصا وأحسن ضيافتهم وتلطّف بهم وسائلهم عن محلّهم ونسبهم وسأل عن حال أبيهم وأولاده فأجابوه بالتّفصيل وقالوا : انّ لنا أخا من ابنيا