لا من أمّنا فأحسن إليهم ووقّر ركائبهم من غير ان ينظر الى انّ بضاعتهم لا تفي بثمنها وجعل بضاعتهم اى ثمن المقل الّذى جاؤا به بضاعة في رحالهم ، وقيل : كانت بضاعتهم نعالا وأدما ، وقال (أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ) اؤدّيه من غير بخس (وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) لما رأيتم من حسن ضيافتي لكم (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ) بدخول بلادي بالغ في إياس اخوته تأكيدا لهم على الإتيان به (قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) ذلك الاجتهاد في أخذه من أبيه أو لفاعلون الإتيان به ، قيل : لمّا دخلوا عليه وعرفهم قال : من أنتم لعلّكم عيون؟ ـ وكان مقصوده الحيلة في ان يكون أحدهم عنده من غير معرفة بحاله قالوا : لسنا عيونا انّما نحن بنو أب واحد وهو يعقوب النّبىّ (ص) قال : كم كنتم؟ ـ قالوا : اثنى عشر ، ذهب واحد منّا الى البراري فهلك وبقينا أحد عشر ، قال : كم أنتم في بلدنا؟ ـ قالوا : عشرة ، قال : فأين الآخر؟ ـ قالوا : خلّفناه عند أبينا قال : فمن يشهد لكم؟ ـ قالوا : لا يعرفنا هاهنا من يشهد لنا ، قال : فدعوا بعضكم عندي رهينة وأتوني بأخيكم حتّى اصدّقكم فاقترعوا فأصاب شمعون (وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها) يعرفون حقّ ردّها أو يعرفون أعيانها ، فرغبوا في الرّجوع (إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) حكم بمنعه ان لم نذهب بأخينا (فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ) برفع المانع فانّ سبب المنع عدم ذهابنا بأخينا بنيامين ، وقرئ يكتل اى بنيامين لنفسه أو لنا أيضا اى يصير سببا للاكتيال أو يكتل الكيّال لنا برفع المانع ولمّا كانوا مسبوقين بما فعلوا بيوسف (ع) وخدعوا أباهم فيه تبادروا الى قولهم (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ) تعييرا لهم على قولهم بما قالوا في حقّ يوسف (ع) ولم يفوا به (إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ) يوسف (ع) (مِنْ قَبْلُ) ثمّ انصرف عنهم من الاعتماد على قولهم والتجأ الى الحافظ الحقيقىّ فقال : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فعلى حفظه ورحمته أعتمد لا على قولكم في حقّ يوسف (ع) وأخيه ، نسب الى الخبر انّه تعالى قال : فبعزّتى لاردّنهما إليك بعد ما توكّلت علىّ (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ) اوعية متاعهم (وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ) ثمن مقلهم أو نعالهم واديمهم (رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا) استبشارا (يا أَبانا ما نَبْغِي) يعنى لا مزيد على ذلك الإحسان حيث أحسن ضيافتنا ومثوانا وجعل بضاعتنا في رحالنا (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا) اى نذهب بأخينا ونمير أهلنا (وَنَحْفَظُ أَخانا) أو نبغى من البغي اى لا نبغى ونمير أهلنا (وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ) بمصاحبة أخينا (ذلِكَ) الكيل الّذى كيل لنا (يْلٌ يَسِيرٌ) أو ذلك الكيل المزيد على اكيالنا كيل يسير لا يضايقنا الملك فيه أو هو من كلام يعقوب (ع) جوابا لبنيه وردّا عليهم يعنى ذلك الكيل المزيد كيل يسير لا ينبغي للعاقل ان يجعل ابنه في معرض المخاوف لمثل ذلك (قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ) بلا وثيقة كما أرسلت يوسف (ع) (حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) عهدا وثيقا من الله أثق به عليكم في حفظه (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ) جواب قسم محذوف اى احلفوا ، أو جواب حتّى تؤتون موثقا من الله فانّه في معنى القسم (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) اى الّا ان تمنعوا وتغلبوا بحيث لا تقدرون أو تهلكوا جميعا فلا يبقى منكم أحد (فَلَمَّا آتَوْهُ