يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) وقد كانت الشّدّة بلغت بهم الغاية مع الخجلة عمّا نسب إليهم من السّرقة ولذلك استكانوا غاية المسكنة وعرّفهم يوسف (ع) نفسه ورقّ لهم وفرّج عنهم و (قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) ولمّا رأى خجلتهم من معرفته وما صنعوا به اعتذر عنهم فقال (إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) ولعلّه كان المراد بما فعلوا بأخيه إذلالهم له لأنّه ما كان يقدر على التّكلّم معهم الّا بالعجز والانكسار. روى عن الصّادق (ع) كلّ ذنب عمله العبد وان كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه معصية ربّه فقد حكى الله تعالى قول يوسف (ع) لإخوته هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون فنسبهم الى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله (قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) استفهام تقريرىّ؟ حيث علموا من مكالمته انّه يوسف (ع) ولذلك أكّدوه بتأكيدات ، وقرئ بدون همزة الاستفهام على الاخبار أو على حذف اداة الاستفهام ، وقرئ آنّك بالمدّ على تخفيف الهمزة الثّانية (قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) برفع منزلتنا وإعطاء الملك والسّلطنة لنا (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ) الله في مخالفة رضاه (وَيَصْبِرْ) على البلاء والطّاعات وعن المعاصي (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) اعترفوا بخطائهم في تدبيرهم في مقابلة التّقدير أو بخطائهم في خلاف طاعة الله ورضا أبيهم ، ولمّا رأى خوفهم من عتابه ومن عقوبة الله آمنهم من ذلك و (قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) فلا تخافوا من عتابى (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) فلا تخافوا من عقوبته (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) عطف فيه معنى التّعليل أو حال كذلك أو عطف أو حال لازدياد رجائهم يعنى يغفر لكم ويتفضّل عليكم فوق المغفرة لانّه ارحم الرّاحمين (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا) وقد ابتلّ القميص بدموعه أو كان قميص إبراهيم (ع) الّذى أتى به جبرئيل من الجنّة حين إلقاء نمرود في النّار فصارت بردا وسلاما وقد جعله إبراهيم (ع) تعويذا لإسحاق (ع) وجعله إسحاق (ع) تعويذا ليعقوب (ع) وجعله يعقوب (ع) تعويذا ليوسف (ع) على اختلاف الاخبار (فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ) عير اخوة يوسف (ع) الّتى فيها القميص عن مصر (قالَ أَبُوهُمْ) لمن حضره (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) تنسبونى الى الفند والخرافة من الكبر (قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) يهودا ابنه أو ابن الجارية الّذى باعه يعقوب (ع) في صغره (أَلْقاهُ) اى القميص (عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً) لانتعاش الشّوق والحرارة الغريزيّة (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ) استفهام تعجّب والمحكيّ محذوف يعنى انّ يوسف حىّ وانّى ألاقيه أو المحكيّ قوله (إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) وقد نقل مكاتبات يعقوب (ع) وعزيز مصر بعد المجاعة وارتهان واحد من ابنائه واسترقاق بنيامين من غير علم منه بانّ العزيز هو يوسف (ع) وكيفيّة تظلّم يعقوب (ع) الى يوسف (ع) وتأديب الله ايّاه ببثّ شكواه الى غيره تعالى في المفصّلات (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) تضرّعوا اليه وتابوا ممّا فعلوه واعترفوا بسوء فعالهم (إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) تسويف الاستغفار كما في الاخبار كان لانتظار وقت السّحر لانّ جنايتهم كانت على غيره