الشّخصين هاديا والآخر دليلا ، والشّيخ الهادي له الهداية وتولّى أمور السّالك فيما ينفعه ويجذبه والشّيخ الدّليل ينصره لمدافعة الأعداء ويخرجه من الجهل والرّدى بدلالته طريق التّوسّل الى شيخ الهدى ، وفي الآية اشارة الى انّ السّالك ينبغي له ان يطلب دائما حضوره عند شيخة بحسب مقام نورانيّته ومقام صدره وهو معنى انتظار ظهور الشّيخ في عالمه الصّغير وامّا ظهور الشّيخ بحسب بشريّته على بشريّة السّالك فلا يصدق عليه انّه من لدن الله وإذا ظهر الشّيخ بحسب النّورانيّة كان وليّا من لدن الله ونصيرا من لدنه (الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) حال أو مستأنف في مقام التّعليل والمعنى لا ينبغي لكم ترك المقاتلة لانّ الإنسان لا يخلو عن المقاتلة واكتفى عن نسبة المقاتلة بطريق العموم والاستمرار الى الإنسان بنسبة المقاتلة الى الفريقين والإتيان بالمضارع الدالّ على الاستمرار التّجدّدىّ ولانّ المؤمنين يقاتلون في سبيل الله وقد مضى انّه من يقاتل في سبيل الله فالعاقبة له سواء غلب أو غلب (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) ومن يقاتل في سبيل الطّاغوت لا تجد له نصيرا كما مضى انّ المؤمنين بالجبت والطّاغوت لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ولا تجد له ظهيرا ، لانّ الشّيطان يعدهم وما يعدهم الّا غرورا وبعد ما يوقعهم فيما يريد يفرّ عنهم.
اعلم انّ نفس المقاتلة والمعارضة مع الأعداء لا تكون الّا عن قوّة القلب الّتى هي مبدء كثير من الخيرات كالشّجاعة والسّخاوة والعفّة والجرأة والشّهامة وغيرها وتورث قوّة للقلب ، وإذا كان بإذن وامر من الله يورث توكّلا تامّا وعاقبة محمودة ويوجد للمجاهد ناصر ومظاهر من الله ولذلك ورد التّأكيد في امر الجهاد ومدح المجاهدين وذمّ القاعدين من غير عذر (فَقاتِلُوا) الجملة جزاء شرط محذوف مستفاد من السّابق تقديره : إذا كان المؤمنون يقاتلون في سبيل الله والكافرون يقاتلون في سبيل الشّيطان فقاتلوا ايّها المؤمنون (أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ) أبدل من الكافرين أولياء الشّيطان اشعارا بذمّ آخر لهم (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) ترغيب وتجرئة للمؤمنين (أَلَمْ تَرَ) الخطاب لمحمّد (ص) أو لكلّ من يتأتّى منه الخطاب والمقصود التّنبيه على حال القاعدين وانّهم كالنّساء في الجبن وضعف القلب حتّى يكون ترغيبا في الجهاد وتحذيرا عن القعود كأنّه قال : انظر (إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) عن القتال وألسنتكم عن الجدال كما أشير اليه في الخبر (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) حتّى تعلم فضيلة الجهاد وانّ الّذين يقعدون عن القتال مع الأعداء الظّاهرة أو الباطنة لا تمكّن لهم في شيء من صفات الرّجال بل يكون حالهم كحال النّساء في ابتغائهنّ الرّاحة والبقاء وخوفهنّ عن مجاهرة الأعداء ، وان كان الخطاب للنّبىّ (ص) فالتّعريض بالامّة ، ونزولها ان كان في مؤمني مكّة قبل هجرة الرّسول أو قبل هجرتهم بعد هجرة الرّسول فهي جارية في كلّ زمان وزمان كلّ امام ، فعن الباقر (ع) أنتم والله أهل هذه الآية ، وعن الصّادق (ع: كفّوا أيديكم يعنى كفّوا ألسنتكم ، وعن الباقر (ع): كفّوا أيديكم مع الحسن (ع) كتب عليهم القتال مع الحسين (ع) الى أجل قريب الى خروج القائم عجّل الله فرجه فانّ معه الظّفر (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ) لعدم تدرّبهم الجهاد وعدم تمكّنهم في صفات الرّجال (يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا) لضيق صدورهم عن مجاهرة الأعداء (رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) زمان دولة المؤمنين وتلك الأحوال قد تعرض للسّالك فيؤمر بالعزلة عن الخلق والصّمت عن المجادلة والمكالمة من غير ضرورة ثمّ يؤمر بالمعاشرة والمدافعة عن إخوانه وقضاء