حوائجهم فيضيق صدره عن ذلك ولا يتمالك نفسه حتّى يصدر عنه مثل هذه المقالات ، وصدور مثل هذه المقالات عن الكافّين دليل فضيلة المقاتلة وشرف المعاشرة (قُلْ) لهم (مَتاعُ الدُّنْيا) تمتّعها أو أعراضها الّتى هي مرغوبة للنّساء (قَلِيلٌ) بحسب المقدار والكيفيّة والبقاء (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى) عن التّعلّق بمتاع ـ الدّنيا وتسارع الى قتال الأعداء (وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) حتّى تخافوا ان لا توجروا على متاعبكم فان كنتم تخافون الموت وفراق الدّنيا كالنّساء فاعلموا انّ الآخرة الّتى تفرّون منها خير لكم وان تسألوا انّ الفرار من القتال هل يورث البقاء؟ ـ فيقال في الجواب (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) قصور مرتفعة ، فالجملة مستأنفة جواب لسؤال مقدّر من الله أو مقول قول الرّسول (ص) ثمّ صرف الخطاب عنهم الى محمّد (ص) فقال لكن ان تعظهم بكلّ عظة لا يفقهوا (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) مثل قولهم (لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ) (الى آخر الآية) (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) فانّ الفاعل في كلّ موجود هو الله وليس منكم الّا استعداد القبول والسّيّئة والحسنة منسوبة إليكم نسبة الشّيء الى القابل ومنسوبة الى الله نسبة الشّيء الى الفاعل ، لكنّ السيّئات اى الاعدام أو الموجبات للاعدام لمّا كان الوجود فيها ضعيفا بحيث عدّها بعضهم اعداما صرفة تكون نسبتها الى الفاعل ضعيفة لضعف الوجود فيها والنّسبة الى الفاعل لا تكون الّا من حيث الوجود ، وتكون نسبتها الى القابل أقوى لتبعيّتها لاعدام القابل فيكون القابل اولى بها ، والحسنات لمّا كان الوجود فيها قويّا تكون نسبتها الى الفاعل أقوى فيكون الفاعل اولى بها (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) فيتخالطون في الكلام كتخاليط النّساء (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ) جواب لسؤال نشأ من قوله : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) كأنّ قائلا يقول : فلا نسبة لها إليهم ولا تفاوت في نسبة الجميع الى الله فقال : ما أصابك من حسنة (فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) والخطاب امّا لغير معيّن أو لمحمّد (ص) من قبيل : ايّاك اعنى واسمعي يا جارة ، والسرّ في اختلاف النّسبتين ما عرفت (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) لا فاعلا للخير والشّرّ فلا وجه للتطيّر بك (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) فما يضرّك عدم إقرارهم برسالتك (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ) وضع المظهر موضع المضمر اشارة الى التّعليل (فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) في قوله أطيعوا الرّسول ، أو لانّه مبلّغ والآمر والنّاهى هو الله ، أو لانّ الرّسول (ص) لمّا فنى من نفسه وبقي بالله ونسبته الى الله أقوى من نسبته الى بشريّته ، وظهور الله فيه أتمّ من بشريّته كما قال : من راني فقد رأى الحقّ ، فمن أطاعه من حيث ظهور بشريّته يعلم انّه أطاع الله قبل حيثيّة بشريّته ولذلك أتى بالماضي مصدّرا بقد للدلالة على مضيّه لتقدّم نسبته الى الله وظهوره فيه على نسبته الى بشريّته (وَمَنْ تَوَلَّى) الإتيان بالماضي مع كون الفعل في المعطوف عليه مستقبلا لكون الاطاعة امرا يحدث بعد ما لم يكن على سبيل التّجدّد والتّولّى امر مفطور عليه لا تجدّد فيه سوى البقاء عليه فقد تولّى عن الله فلا تتحسّر عليهم لتولّيهم عنك (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) حتّى تتحسّر على عدم حفظك ايّاهم (وَيَقُولُونَ) بألسنتهم شأننا (طاعَةٌ) لك في علىّ (ع) كأنّه قال لكنّهم يطيعون بألسنتهم ويتولّون بقلوبهم ويقولون بألسنتهم شأننا طاعة (فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) ودبّروا ليلا (غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) أنت في علىّ (ع) أو تلك الطّائفة من الطّاعة لك في علىّ (ع) فيقولون