في بلاد العرب (وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) كالدّروع ولمّا كان تعداد النّعم الصّوريّة الجسمانيّة مقدّمة لتفهيم النّعم الاخرويّة الرّوحيّة وهي إرسال الرّسل لتبليغ الولاية واعداد الخلق لقبولها والسّير على طريقها وانّ المنعم لم يدع عالم الأجسام غير مهيّاة له أسباب قوامه وبقائه فكيف يدع عالم الأرواح والجهة الرّوحانيّة في الإنسان غير مهيّاة له أسباب كما له وبقائه ، وانّ عمدة أسباب كما له وبقائه إرسال الرّسل للانذار من الرّكون الى الأجسام والدّلالة على طريق الولاية وفتح باب القلب وإيلاء الولاة لتعليم طريق الولاية وتلقين ما يفتح به باب القلب بعد انقضاء ايّام الرّسالة ، عقّب المذكورات من النّعم المعدودة بقوله (كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) يعنى مثل إتمام النّعم الجسمانيّة الصّوريّة المختلطة بالآلام والأسقام والمتاعب والمشاقّ يتمّ نعمته الحقيقيّة الّتى هي حاصلة إرسال الرّسل وغايته وهي الولاية ولا يهملكم في تلك الجهة من غير تهيّة أسباب كما لكم وبقائكم فيها (لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) تقادون (فَإِنْ تَوَلَّوْا) صرف الخطاب الى محمّد (ص) يعنى ان تولّوا عن تلك النّعمة العظمى الّتى هي ولاية علىّ (ع) فلا بأس عليك (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وقد بلّغت وامّا الإقبال والتّولّى فليس عليك وفي الآية وجوه أخره بحسب مراتب النّعم الاخرويّة والدّنيويّة الجسمانيّة لكنّ المذكور هو خلاصة الكلّ وبتذكّر ما أسلفنا لك مرارا يمكن التّفطّن بها (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ) قد فسّر في اخبار عديدة نعمة الله هاهنا بعلىّ (ع) وهو ما ذكرنا من خلاصة الوجوه والّا ففيها وجوه أخر بحسب المراتب ، وقد ذكر في بعض الاخبار انّ الآية نزلت بعد ما قالوا عرفنا صدق محمّد (ص) ولكن لا نطيعه في علىّ (ع) ولا نتولّى عليّا (ع) (ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) في عين إسلامهم بك لانّهم كفروا بعلىّ (ع) أو بقولك أو كانوا كافرين بك من اوّل إسلامهم فانّ الإسلام يقتضي الانقياد وعدم الاعتراض على فعل الرّسول (ص) وقوله وأطاعته في جميع أوامره ونواهيه ، ولمّا أنكروا عليه قوله علم انّهم لم يكونوا مسلمين (وَيَوْمَ نَبْعَثُ) عطف على (نِعْمَتَ اللهِ) ، أو على مفعول ينكرونها ، أو متعلّق بمحذوف معطوف على محذوف اى فحذّرهم وذكّرهم ، أو التّقدير فاعذّبهم اليوم ويوم نبعث (مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) ولمّا كان عناية الله بتكميل الخلق في جهتهم الاخرويّة جعل في كلّ أمّة واقعة في طول الزّمان وكذا في كلّ فرقة واقعة في بقاع المكان خليفة منه يكون شاهدا عليهم ومراقبا لاعمالهم وأحوالهم ومعطيا لمن استعدّ منهم حقّه من آداب السّلوك الى الآخرة والاستعداد لنعيم الجنّة ، ويكون ذلك الخليفة بأقواله وأفعاله ميزانا للكلّ ويوم القيامة يبعث الله كلّ أمّة ويبعث خليفتهم بشهادته قالا وحالا عليهم ، فمن وافقه بعض الموافقة بعثهم الى الجنان بحسب مراتبهم في مراتبها ، ومن خالفه كلّ المخالفة بعثهم الى النّيران بحسب مراتبهم في مراتبها ، والمقصود تهديد من خالف من أمّته (ص) خليفته عليّا (ع) كما انّ الآيات السّابقة كانت لترغيبهم اليه (ع) (ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) في التّكلّم والاعتذار بل المتكلّم هو الخليفة لا غير (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) يسترضون من العتبى بمعنى الرّضا (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) يمهلون أو لا يلتفت إليهم بالنّظر (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ) من الأصنام والكواكب والشّياطين وخلفاء الجور (قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا) اى الشّركاء (إِلَيْهِمُ) الى المشركين (الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) في ادّعاء اشراكنا بل كنتم تعبدون أهواءكم وجعلتم صورة