بالعدل لأنّ الأمر بالعدل يستلزم الاتّصاف به ومعرفته في جميع موارده ، وللاشارة الى هذا قال (وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) اى على التّوسّط بين طرفي الإفراط والتّفريط في جميع ما ذكر (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ما غاب عنهما أو جهتهما الّتى هي غائبة عن العباد ومن غيبهما الخفايا من أحوال العباد ويلزم منه خفاء صاحب الخير والشّرّ فلا تعلمون من العباد من كان بحسب السّريرة كالمملوك العاجز ومن كان آمرا بالعدل والله يعلم ذلك وهو بمنزلة (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) في الآية السّابقة والمقصود انّكم لمّا لم تكونوا عالمين بأحوال الأشياء والعباد لم يجز لكم ان تختاروا من عند أنفسكم شريكا لله أو لعلىّ (ع) ولا أحدا لهدايتكم وجلب نفعكم ودفع ضرّكم ولزم ان تكلوا الأمر اليه تعالى فانّه العالم بمن ينبغي ان يختار وبمن ينبغي ان لا يختار فلا تجاوزوا في ذلك النّصّ من الله على لسان من علمتم خلافته لله (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ) في سرعة إتيانها وحساب الخلائق فيها وجزاء الخلائق على أعمالهم (إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) وهو تهديد لمن استبدّ برأيه وخالف امر الله ونصّه في احكامه (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) من حساب الخلائق في أسرع زمان وعقوبة العاصي وثواب المطيع (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) يعنى جعل لكم كلّ ما تحتاجون اليه في تعيّشكم الدّنيوىّ ومنافعكم الاخرويّة وفي حصول العلم الّذى هو مبدأ ذلك كلّه (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) تلك النّعمة فتصرفون كلّ فيما خلق لأجله (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ) بخلق ما يقدرن به على الاستمساك في الجوّ فانّ الله خلق كلّ شيء وخلق له ما به تعيّشه وحركته وسكونه (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) على علمه وقدرته وحكمته وعدم إهماله لشيء من الأشياء من دون تهيّة ما يحتاج اليه (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) بالآخرة فانّهم يعلمون انّ الّذى لم يهمل شيئا من الأشياء واعطى كلّ شيء ما يحتاج اليه لم يهمل الإنسان الّذى هو أشرف الأشياء ولم يترك ما يحتاج اليه في أشرف جهاته وهي الآخرة بل جعل لهم رئيسا يدلّهم عليها ويمنعهم عمّا يضرّهم فيها ويأمرهم بما ينفع فيها ولم يكل اختيار ذلك إليهم حتّى يجعلوا برأيهم له شريكا أو يختاروا لأنفسهم في امر الآخرة الّذى هو غيب عنهم إماما ورئيسا (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً) يعنى الاخبية المتّخذة من الأديم والشّعر والصّوف (تَسْتَخِفُّونَها) تعدّونها خفيفة لا كبيوت الطّين والأحجار (يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً) لبيوتكم من الفرش والالبسة ومحالّ الامتعة وغير ذلك (وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) ما تتمتّعون به الى مدّة اندراسه (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ) من الشّجر والجبال والجدران (ظِلالاً) ما تستظلّون به (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً) ما تستترون فيه من الغيران أو ما تنحتون فيها (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ) ثيابا فانّ السّر بال يستعمل في كلّ ملبوس ، والمراد بالاثاث والمتاع غير الثّياب ، أو المراد بالسّرابيل غير ما يكون من الصّوف والوبر والشّعر والجلود ، أو يكون تعميما بعد تخصيص من وجه كما يكون تخصيصا بعد تعميم من وجه آخر (تَقِيكُمُ الْحَرَّ) اى والبرد اسقطه واكتفى بذكر الحرّ لعدم الاحتياج الى ذكره لوضوحه بقرينة المضادّة وانّ الحاجة الى اللبّاس في البرد اشدّ منه في الحرّ وللاهتمام بالحفظ من الحرّ