الى الاعجمىّ فقال : لانّهم لا يؤمنون بآيات الله ومن لا يؤمن بآيات الله لا يهديه الله الى التّفطّن بدقائق القول ومفاسده (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) لا أنت فهو ردّ لقولهم انّما أنت مفتر (وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) لا أنت (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ) إسلامه أو ايمانه الخاصّ (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) على الكفر القولىّ اى الّا من كفر قولا بالإكراه (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) أذعن بالكفر واعتقد واطمأنّ عليه (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) روى انّ الآية نزلت في عمّار رحمهالله لانّه أكرهه مشركو مكّة وأكرهوا أبويه على الكفر والبرائة من محمّد (ص) فأبى أبواه فقتلوهما وتبرّأ عمّار بلسانه ، وورد في الاخبار تحسين أبويه في اختيار القتل وتحسينه في اختيار البرائة اللّسانيّة على القتل (ذلِكَ) الارتداد بعد الإسلام أو الايمان (بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) فاختاروا ما زعموا انّه أنفع بالحيوة الدّنيا وكفروا بالوجهة الاخرويّة (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) الى الثّبات في الايمان (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) فلا يدركون من المعقولات والمسموعات والمبصرات ما لأجله إدراكها وقد سبق في اوّل البقرة تحقيق تامّ لطبع القلب والسّمع والبصر (وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) الكاملون في الغفلة لغفلتهم عمّا لأجله يكون جملة التّذكّرات وهو الله والآخرة بخلاف غفلات المؤمنين والمسلمين (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) لانّهم بذلوا لطيفتهم الانسانية الّتى كانت بضاعة لهم لتحصيل النّعيم الأبديّ وحصّلوا متاعا فانيا مستعقبا لعذاب ابدىّ وقد مضى بيان لا جرم (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) مقابل من كفر بالله (الى آخرها) وثمّ للاشارة الى تفاوت القصّتين والتّباعد بينهما والمعنى انّ ربّك للّذين هاجروا بعد الايمان أو قبله من بعد ما فتنوا والهجرة اعمّ من الهجرة الصّوريّة ، كما ورد انّ الآية في عمّار رضى الله تعالى عنه ، والهجرة الحقيقيّة اى هاجروا من دار الشّرك الى دار الإسلام ، ومن دار النّفس الى أعلى مراتبها وهو الصّدر ، ومن دار الإسلام الى دار القلب وهي دار الايمان (ثُمَّ جاهَدُوا) في سبيل الله بالجهاد الصّورىّ أو في سبيل الولاية وسبيل القلب بالجهاد الباطنىّ (وَصَبَرُوا) على الجهاد ولم يفرّوا من الأعداء في الظّاهر والباطن (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) بعد المهاجرة وفائدة التّأكيد التّصريح بانّ المغفرة والرّحمة انّما تكونان بعد الهجرة ولو بعد الشّروع فيها وامّا قبلها فليس للإنسان الّا الاستبصار بمعايبه والانزجار من منتناته وهو باعث على الهجرة والهجرة على المغفرة والرّحمة (لَغَفُورٌ) يستر عن نظر النّاظرين الجيف المنتنة الّتى كانت مع المهاجر حين مقامه في دار نفسه المشركة (رَحِيمٌ) بعد المغفرة بالتّفضّل عليه واستبدال الجيف بالصّور الطّيّبة من نعيم الجنان وحورها وغلمانها (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ) ظرف لغفور أو رحيم أو كليهما على سبيل التّنازع ، أو ظرف لرحيم لانّ المغفرة تكون قبل الوصول الى القيامة ، أو مستأنف مقدّر باذكر (تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) عن ذاتها بالاعتذار في الخلاص عن البوار وطلب مقام الأبرار (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ) عين (ما عَمِلَتْ) على تجسّم الأعمال أو جزاء ما عملت (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) بنقص الثّواب أو زيادة العذاب (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) لتنبيه المنعمين الكافرين بأنعم الله (قَرْيَةً) حال قرية (كانَتْ آمِنَةً) من كلّ ما يخاف من بطش الأعداء وضيق المعيشة وآلام الأبدان وغموم النّفوس (مُطْمَئِنَّةً) لا يزعج أهلها مزعج (يَأْتِيها رِزْقُها