لكن تلك العبادة لمّا لم تكن بأمر تكليفىّ من الله لم يستحقّوا الأجر والثّواب عليها بل استحقّوا العقوبة والعذاب ، فعلى هذا معنى الآية قضى ربّك قضاء حتما لا تخلّف عنه ان لا يعبد عبد عبادة لشيء من الأشياء الّا كانت العبادة له وبقضائه وامره التّكوينىّ ، وقضى قضاء حتما ان لا يصحّ العبادة من عابد لمعبود الّا إذا كانت بإذن من الله وقضى قضاء تكليفيّا بان امر على السنّة أنبيائه (ع) ان لا تعبدوا الّا ايّاه فمن كان في عبادته ناظرا الى غيره فقد خرج عن قضائه وامره التّكليفىّ ولم تكن العبادة باذنه فلم تصحّ منه واستحقّ العقوبة من الله تعالى (وَبِالْوالِدَيْنِ) وان تحسنوا أو ان أحسنوا حذفه اكتفاء بقوله (إِحْساناً) وهذا غاية التّعظيم للوالدين حيث قرن إحسانهما من عبادة نفسه والوالدان اعمّ من الجسمانيّين والرّوحانيّين العلويّين والسّفليّين فانّ السّفليّين إحسانهما ان تصاحبهما في الدّنيا معروفا وقد مضى في سورة البقرة تفصيل وتحقيق تامّ للوالدين وإحسانهما (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ) الهرم والشّيخوخة (أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) لا تنزجر منهما ولا تظهر انزجارك لهما وورد : لو علم الله شيئا ادنى من افّ لنهى عنه وهو من ادنى العقوق (وَلا تَنْهَرْهُما) ولا تقهرهما بان تزجرهما (وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) جميلا (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ) مستعار من تذلّل الطّيور فانّها تخفض جناحها عند التّذلّل (مِنَ الرَّحْمَةِ) من رحمتك لهما فانّهما استحقّا بافتقارهما إليك وأنت كنت في نهاية الفقر إليهما رحمة منك ولا تكتف بإحسانك والرّحمة لهما بل ادع الله لهما في حيوتهما ومماتهما (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) عن النّبىّ (ص) انّه قال من غير سابقة رغم انفه ؛ ثلاث مرّات ، قالوا من يا رسول الله (ص)؟! قال : من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما ولم يدخل الجنّة (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) وعد على الإحسان والرّحمة بالنّسبة الى الوالدين (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) خصّه بالتّخاطب بعد تعميم الخطاب اشعارا بانّه (ص) أصل في هذا الحكم وانّ أصل الحقوق بيده وانّ أصل ذوي القربى هو القريب الرّوحانى له (ص).
اعلم ، انّ الإنسان ذو مراتب عديدة بحسب بدنه ونفسه وقلبه وروحه وعقله وسرّه وله في كلّ من المراتب قرابات وقراباته بحسب مراتب القرب متفاوتة بعضها أقرب وبعضها قريب ولكلّ بحسب مرتبته حقّ ، هذا في العالم الكبير وله أيضا في عالمه الصّغير قرابات من نفسه وقواها المدركة والمحرّكة وبدنه وأعضائه ولكلّ أيضا حقّ كالقرابات الجسمانيّة كالعمودين وفروع الأصول حقوقهم ما فرض لهم ، وبيّن من الأموال في المواريث ومن تعهّد الأحوال وبشر الوجه وقضاء الحاجات ممّا قرّر في صلة الأرحام الصّوريّة والقرابات الصّدريّة النّفسيّة ، كالدّاخلين في الإسلام حقوقهم النّصح وتعليم الأحكام وبشر الوجه وتعهّد الحال وقضاء الحاجات وستر العيوب وحفظ الغيب وغير ذلك ممّا قرّر في حسن المعاشرة مع المسلمين ، والقرابات القلبيّة الايمانيّة كالمبتاعين بالبيعة الخاصّة الولويّة حقوقهم مع ذلك بذل الوسع في خدمتهم والمواساة بالمال والإيثار فيما يقتضي الإيثار والتّرحّم والدّعاء لهم بظهر الغيب وغير ذلك ممّا قرّر في حقّ المؤمنين ؛ هذا للمسلمين والمؤمنين الّذين هم بمنزلة الاخوة في القرابات الجسمانيّة. وامّا المسلمون بالنّسبة الى النّبىّ (ص) والمؤمنون بالنّسبة الى الامام (ع) الّذى هو كالأب وهم كالأولاد حقوقهم عليه وحقوقه عليهم مع تلك الحقوق امر آخر ، وكذلك النّبىّ (ص) بالنّسبة الى خليفته والامام بالنّسبة الى امام بعده حقوقهم غير ذلك ، فاذا عرفت ذلك عرفت انّ تفسير ذي القربى بالقرابات الصّوريّة وبالقرابات الاسلاميّة وبالقرابات الايمانيّة وبالإمام وبأقرباء محمّد وبآل محمّد (ص) كلّها صحيح ، وكذا تفسير الحقّ المالى