بالحقّ الميراثىّ وبفدك لفاطمة (ع) وبالتّصدّق من أصل المال على الأقرباء وبالمواساة وقضاء الحاجات والخدمة للإخوان الاسلاميّة والايمانيّة وبتعظيم النّبىّ والامام وبحقّ الامامة للإمام كلّها صحيح فاختلاف الاخبار في تفسير الآية لكثرة مراتبها وسعة وجوهها والكلّ صحيح من غير خلل (وَالْمِسْكِينَ) الّذى أسكنه العجز عن الكسب للقوت وحقّه من الزّكاة والتّصدّقات أو أعجزه الشّيطان والنّفس عن الوصول الى الامام (ع) بعد الوصول الى النّبىّ (ص) أو عن السّلوك الى الله بعد الوصول الى الامام (وَابْنَ السَّبِيلِ) المنقطع عن بلاده السّائر إليها ولم يكن له زاد بالفعل أو بالقوّة ولو بالاستدانة ، أو المنقطع عن الامام (ع) السّائر اليه ظاهرا أو باطنا (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) بإعطاء غير المستحقّ أو إعطاء المستحقّ زائدا عن حقّه ، ولمّا امر بإيتاء الحقوق للمستحقّين نهى عن التّبذير الّذى هو إيتاء غير المستحقّ وإيتاء المستحقّ زائدا عن الحقّ الّذى هو السّرف فانّ الإيتاء من غير تبذير هو الاقتصاد فالتّبذير هاهنا اعمّ من الإسراف وان كان قد يقابله ، ولمّا كان الأمر بإيتاء الحقوق مستلزما للنّهى عن التّقتير بمفهوم المخالفة اكتفى عنه به ونهى صريحا عن السّرف ، ولمّا لم يختصّ إيتاء الحقّ بالمال الصّورىّ ولا بالقرابات الصّوريّة بل يعمّ سائر الحقوق وجميع القرابات في العالم الكبير والصّغير ، ورد عن النّبىّ (ص) انّه مرّ بسعد وهو يتوضّأ فقال : ما هذا السّرف يا سعد؟ ـ قال : أفى الوضوء سرف؟ ـ قال : نعم وان كنت على عين جارية ، وورد عن الصّادق (ع): انّه سئل أفيكون تبذير في حلال؟ ـ قال : نعم ، والسّرّ فيه انّ من كان على عين جارية وزاد في تحريك القوى على ما يؤدّى به الفرض والنّدب كان ذلك منه استعمالا للقوى وتوجّها الى القوى المحرّكة من غير استحقاق وان لم يكن سرف وتبذير هناك للماء ، وخلاصة ما يستفاد من الاخبار باختلافها انّ إنفاق المال أو الكلام أو العلم أو الحكمة أو العرض والجاه أو قوّة القوى أو الإنفاق على النّفس وقواها بمشتهياتها من غير التفات الى امر الله وامتثال له تبذير كائنا ما كان ، وكلّ ذلك إذا كان بأمر من الله والتفات اليه وامتثال له اقتصاد كائنا ما كان ولذلك ذكروا انّه لو جعلت الدّنيا كلّها لقمة وأطعمتها مؤمنا ما كان سرفا (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ) المنفقين في غير طاعة الله وبالغفلة عن أمر الله (كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) لانّ الإنفاق إذا لم يكن بأمر الله كان بأمر الشّيطان فانّه يترصّد العبد وغفلته عن امر الله فيتصرّف فيه ويحكم عليه كما يحكم على شياطينه (وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) عطف لبيان العلّة يعنى انّ الشّيطان كفور لربّه والمبذّر المنفق من غير التفات الى امر الله كفور لربّه فهو أخ للشّيطان في الكفوريّة (وَإِمَّا تُعْرِضَنَ) ان تعرض (عَنْهُمُ) عمّن أمرت بإيتاء حقوقهم بترك إعطاء مسئولهم لعدم استعدادهم للمسؤل أو عدم وجدان مسئولهم حين سؤالهم (ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ) بها يستعدّون للمسؤل أو بها تجد المسؤل ويتيسّر لك الإعطاء واكتفى بابتغاء الرّحمة عن عدم الاستعداد وعدم الوجدان لاستلزام عدمها لابتغاء الرّحمة من حيث انّهما رحمة والفاقد لهما إذا كان له شأنيّة الوجدان يطلبهما واكتفى بذكر الرّحمة عن الاستعداد والسّعة لكونهما مصداقا لها (تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) سماعه لا معسورا سماعه وهو القول الّذى به يطيب قلوبهم ، روى انّ النّبىّ (ص) لمّا نزلت هذه الآية كان إذا سئل ولم يكن عنده ما يعطى قال : يرزقنا الله وايّاكم من فضله (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) عبّر عن التّقتير والإسراف على سبيل الكناية فانّ التّقتير والإعطاء في الأغلب بقبض اليد وبسطها وهو تأكيد للاوّل وبيان لغاية الإسراف كما انّ قوله : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) بيان لمبدء التّبذير كما أشير اليه عند تفسيره (فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) من المال كما ورد في