انّه كان حقّا لا غير ، ولذلك كانت ولايته باقية وولاية غيره باطلة ففائدة التّوصيف الاشعار بظهور كونه تعالى حقّا حينئذ وكون غيره باطلا ، ولا يخفى على المستبصر تأويل الآية وتنزيلها على موسى الفقير العقل وفرعون الغنىّ النّفس ، وصفحتي النّفس العلّامة والعمّالة اللّتين هما جنّتان كثيرتا الثّمار والأجل الّذى هو مهلك الجنّتين ويبيّن هذا التّأويل قوله واضرب لهم مثل الحيوة الدّنيا (هُوَ خَيْرٌ ثَواباً) حال من الله أو استيناف جواب لسؤال مقدّر يعنى هو بذاته ثواب للمتّقين الكاملين في التّقوى وهو خير من كلّ ثواب (وَخَيْرٌ عُقْباً) وهو بذاته عاقبة لا هل التّقوى ولا عاقبة أحسن منه (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أصله اضرب الأسماع بمثل الحيوة الدّنيا لكنّه لكثرة الاستعمال حذف الأسماع وأقيم المثل مقامه وأريد منه معنى اذكر أو أجر أو صيّر وعلى الاوّلين فقوله (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) حال من المثل أو مستأنف بتقدير مبتدء ، وعلى الثّانى فهو مفعول ثان لا ضرب (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) بعد نبته ونموّه واشتداده فصار مصفّرا ومبيّضا (فَأَصْبَحَ هَشِيماً) منكسرا (تَذْرُوهُ الرِّياحُ) تفرّقه وللاشارة الى سرعة زوالها أتى بالفاء دون ثمّ (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من إنزال الماء وإنبات الأرض وجعل النّبات مشتدّا مختلطا ثمّ جعله يابسا هشيما متفرّقا ومن نفخ الرّوح واحياء البدن الجماد بالحيوة العرضيّة الدّانية وجعل قواه مشتدّة قويّة ثمّ جعل البدن ذابلا وجعل قواه ضعيفة بعد قوّتها ثمّ نزع الرّوح منه وجعله وجعل قواه غير مقتدره على التّماسك والتّمانع (مُقْتَدِراً) وبعد ما ذكر عدم بقاء الحيوة الدّنيا وانّ نضرتها ايّام قلائل لا ينبغي ان يغترّ بها العاقل ذكر أصول ما يتعلّق به النّفوس في الحيوة الدّنيا وتهتمّ في جمعه وحفظه وأضافها الى تلك الحيوة اشعارا بسرعة زوالها وانّ العاقل لا ينبغي ان يهتمّ بشأنها بل ينبغي ان يهتمّ بشأن ما هو باق نافع له فقال (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) فتزول بزوالها (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) لا الزّائلات الفاسدات وهي ما تهتمّ به النّفوس من المال والبنين وما يتبعهما وما يلزمهما (خَيْرٌ) من المال والبنين وان كانا خيرا في انظاركم أو خيرا في الواقع (عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) فينبغي ان يطلبها الإنسان ويجعلها مأمولة دون المال والبنين ، والمراد بالباقيات الصّالحات كلّما يفعله الإنسان بحكم العقل لا بحكم النّفس ، وبعبارة اخرى كلّ فعل يبقى اثره في الكلمة الباقية من الإنسان وهي صفحة النّفس الباقية وبعبارة اخرى كلّما يفعله من وجهته الولويّة التّكوينيّة وهي وجه الله الباقي الظّاهر بالولاية التّكليفيّة الحاصلة بالمبايعة الباطنة الايمانيّة ، ولمّا لم يكن لها اختصاص بفعل خاصّ وعمل مخصوص اختلف الاخبار في تفسيرها ، فقد فسّرت في الاخبار بصلوة اللّيل ، وبمطلق الصّلوة ، وبالصّلوات الخمس المفروضة ، وبالتّسبيحة الكبرى ، وبالأولاد الصّالحين ، وبالأشجار المثمرة الّتى يغرسها الإنسان ، وبأصل كلّ الصّالحات وهي الولاية ، وبالمحبّة اللّازمة للولاية أو المستتبعة لها (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) بجعلها هباء منبّثا في الجوّ وهو عطف على عند ربّك أو هو بتقدير ذكّر والجملة عطف باعتبار المعنى (وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) من تحت الجبال وخلف التّلال بحيث لا يكون فيها تلال ووهاد (وَحَشَرْناهُمْ) للحساب في تلك الأرض البارزة والجملة امّا حال ، وماضويّتها بالنّسبة الى عاملها ، أو عطف وما ماضويّتها لتحقّق وقوعها (فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) لا محسنا ولا مسيئا (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا) مصطفّين صفوفا عديدة كما ورد انّهم في ذلك اليوم مائة وعشرون الف صفّ وذلك بحسب مراتبهم في القرب والبعد ، فانّ بنى آدم بحسب الظّاهر نوع واحد ولكنّهم بحسب الباطن أنواع عديدة ولهم مراتب عديدة وكلّ نوع منهم في مرتبة منها مصطفّ بحسب افراده ، ولكلّ