مشرقها ومغربها (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) وعلّة من الله بها تمكّن تمكّنا تامّا من الوصول اليه والتّصرّف فيه والتّسلّط عليه فانّ الأشياء الكونيّة كلّها مسبّبات عن الموجودات العلويّة من الأشباح المثاليّة والأرواح المجرّدة ولكلّ بحسب المراتب الطّوليّة علل وأسباب عديدة بها يمكن الوصول اليه والتّصرّف فيه والتّسلّط عليه ، وقد ورد انّه رفع الى السّماء فكشط له عن الأرض وهو كناية عن اتّصاله بالملكوت ، وعالم الملكوت أسباب قريبة لما في الملك فأعطى من كلّ شيء سببه وعلّته ولذلك سهل عليه السّير في شرق الأرض وغربها والتّسلّط على سهلها وجبلها (فَأَتْبَعَ سَبَباً) من الأسباب الّتى اوتى يعنى أدرك من الملكوت سبب المغرب وعلّة وجوده وتوسّل بتلك العلّة الى السّير اليه (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ) اى الجانب الّذى يلي المغرب من الرّبع المسكون تنزيلا ومقام الطّبع من عالم الكون والملكوت السّفلىّ من العالم الّتى هي دار الشّياطين والجنّة ومقام الأشقياء والأشرار فانّ الكامل يتنزّل تارة الى عالم الطّبع والملكوت السّفلى حتّى يشاهد دقائقهما ويستجمع كما لا تهما ويصعد اخرى وقوله (وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) ذات الطّين الأسود ، يشير الى التّأويل ؛ فانّ شمس الرّوح والعقل غروبهما في عين الطّبع الحمئة الّتى اختلط ماء الوجود فيها بحمأة المادّة ولوازمها من الحدود والتّعيّنات والاعدام في العالم الصّغير والكبير وفي عين الملكوت السّفلى الّتى ماؤها اقلّ وحمأتها أكثر ، وامّا غروب الشّمس المحسوس فانّه ليس الّا بالتّجاوز عن دائرة الأفق ، وما قيل في بيانه من احتمال انّه بلغ ساحل البحر المحيط فلم يكن في مطمح نظره الّا الماء فرآها تغرب في الماء ، لا يناسب التّعبير بالغروب في العين الحمئة بل يناسبه التّعبير بالغروب في الماء أو في البحر وامّا عالم الطّبع وما تحته فيناسبه التّعبير عنه بالعين الحمئة لاختفاء ماء الوجود تحت حمأة المادّة ولوازمها فيه. وما روى عن سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين (ع) من قوله في عين حامية في بحر دون المدينة الّتى ممّا يلي المغرب يعنى جابلقا ، ناظر الى التّأويل فانّ البحر الّذى دون جابلقا هو عالم الطّبع فانّ جابلقا هو عالم المثال الهابط وهو المدينة الّتى تلى المغرب ودونه عالم الطّبع ودون عالم الطّبع عالم الجنّة والشّياطين المعبّر عنه بالملكوت السّفلى ، ولفظ الحامية امّا من الحمأة بمعنى الحمئة أو من الحمى بمعنى الحارّة وهكذا قوله (ع) لمّا انتهى مع الشّمس الى العين الحامية وجدها تغرب فيها ومعها سبعون الف ملك يجرّونها بسلاسل الحديد والكلاليب يجرّونها في قعر البحر في قطر الأرض الأيمن كما تجري السّفينة على ظاهر الماء ، ناظر الى التّأويل ، والمراد بقطر الأرض الأيمن عالم الطّبع فانّه أيمن بالنّسبة الى عالم الجنّة ، أو المراد به عالم المثال العلوىّ فانّه كثيرا ما يعبّر عنه بالأرض (وَوَجَدَ عِنْدَها) عند العين الحمئة (قَوْماً) نكّر القوم ولم يصفه بوصف كما في قرينتيه تحقيرا لهم كأنّهم لغاية حقارتهم ونكارتهم لا يمكن توصيفهم وتعيينهم بوجه (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ) هذا الخطاب يدلّ على نبوّته إذ شأن الأنبياء (ع) ان يخاطبوا بخطاب الله الّا ان يقال : انّ الله خاطبه على لسان نبىّ وقته (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ) بسبب كفرهم وبعدهم بالقتل والأسر والنّهب وسائر أنواع التّعذيب (وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) بتعليم الشّرائع وإصلاح المفاسد ووضع السّياسات الشّرعيّة فيهم والعفو عن مسيئهم ، وان مع صلته مبتدء والخبر محذوف اى امّا تعذيبك كائن فيهم أو اتّخاذك الحسن فيهم (قالَ) بعد تخيير الله تعالى ايّاه مجيبا له بما فيه خروج عن الظّلم وعمل بالعدل كما هو شأن الأنبياء (ع) (أَمَّا مَنْ ظَلَمَ) على نفسه بالإصرار على كفره بعد دعوته أو على الغير بعدم قبول السّياسات والخروج من تحت الحدود الالهيّة (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) بما يليق بحاله من القتل وقطع الأطراف والأسر والنّهب والاستعباد (ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ)