بعد الموت (فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) منكرا لم يعهد مثله (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ) بقبول الدّعوة وترك ظلم نفسه (وَعَمِلَ صالِحاً) بأخذ الحدود والأحكام الشّرعيّة وعدم التّجاوز عنها بعد الايمان حتّى لا يصير ظالما على نفسه ولا على غيره (فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى) من ربّه ، قرئ جزاء بالنّصب والتّنوين على ان يكون الحسنى مبتدء وله خبرا له ، وجزاء حالا أو تميزا أو مفعولا مطلقا لفعل محذوف ، وقرئ مرفوعا منّونا على ان يكون مبتدء والحسنى بدله ، وقرئ جزاء الحسنى بالرّفع والاضافة واعرابه ظاهر ، وقرئ جزاء الحسنى بالنّصب من غير تنوين على ان يكون سقوط التّنوين بالتقاء السّاكنين لا بالاضافة ويكون مثل صورة التّنوين بحسب الاعراب ، أو على ان يكون سقوط التّنوين بالاضافة ويكون مفعولا مطلقا للخبر المحذوف اى له جزاء جزاء الحسنى وقدّم تعذيبه في القرينة الاولى على تعذيب الله لكون تعذيب الله مختصّا بالآخرة كما صرّح به وكون مرتبته بعد مرتبة تعذيبه في الدّنيا ، وقدّم جزاء الرّبّ في القرينة الثّانية على جزاء نفسه للاشعار بعموم جزاء الرّبّ للدّنيا والآخرة ، ولو أخّر لأوهم اختصاصه بالآخرة مثل قرينته (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا) في الخراج وفي وضع السّياسات (يُسْراً) اى امرا سهلا يسهل تحمّله (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) وعلّة من علل جانب المشرق من الرّبع المسكون أو من العالم تمكّن منها من الوصول اليه والتّسلّط على اهله والتّصرّف فيهم (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ) من الرّبع المسكون أو من العالم (وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) قد ورد في تنزيله انّهم لم يعلموا صنعة البيوت ولا صنعة الثّياب ، وعن علىّ (ع) انّه ورد على قوم قد أحرقتهم الشّمس وغيّرت أجسادهم وألوانهم حتّى صيّرتهم كالظّلمة ، لكنّ الآية تشعر بالتّأويل لانّه قال حتّى إذا بلغ مطلع الشّمس ولم يقل حتّى إذا بلغ المشرق فانّ المشرق وان كان بمعنى المطلع لغة لكنّه في العرف اختصّ باوّل بلاد يشرق الشّمس عليها اوّلا من الرّبع المسكون ، أو ببلاد واقعة في طرف المشرق من الرّبع المسكون بخلاف مطلع الشّمس فانّه على معناه اللّغوىّ وبمعناه اللّغوى كلّ أجزاء الأرض مطلع ومغرب باعتبارين ، وكذا قوله : وجدها تطلع على قوم دون ان يقول وجد فيه قوما أو عنده قوما ، فانّ فيه اشعارا بانّ البالغ مطلع الشّمس يكون نظره الى الشّمس وطلوعها بخلاف البالغ مغرب الشّمس فانّه وان كان ناظرا الى الشّمس وغروبها لكنّه لتراكم الكثرات واختفاء ضوء الشّمس يقع نظره على الكثرات استقلالا ، ولعلّه أراد بالقوم المجذوبين الفانين في الله الّذين لم يبق عليهم من التّعيّنات الكونيّة الّتى هي بمنزلة اللّباس والسّاتر من اشعّة الشّمس الحقيقيّة شيء ، وللاشارة الى كون بقائهم وتعيّنهم ووجودهم ببقاء الله وتعيّنه ووجوده قال : لم نجعل لهم من دونها سترا كما ورد في القدسىّ ، انّ أوليائي تحت قبابى لا يعرفهم غيري (كَذلِكَ) صفة لستر اى سترا مثل ذلك السّتر يعنى لم نجعل لهم قبل ذلك السّتر ، أو حال من الشّمس اى وجدها حالكونها مثل ذلك ، أو تطلع حالكونها مثل ذلك المذكور ممّن عند الشّمس بان لم نجعل لها من دونها سترا من غيم التّعيّنات والحدود وغبرة الأهواء والكثرات ، أو حال من فاعل وجدها الى حالكون ذي القرنين كذلك اى مثل من كان عند الشّمس غير مستور بستر غير الشّمس ، أو خبر مبتدء محذوف جوابا لسؤال مقدّر عن حال ذي القرنين ، أو عن حال الشّمس ، أو عن حال القوم على سبيل الاعجاب كأنّه قيل : على سبيل الاستعجاب والاستغراب ؛ الم يكن لهم ستر غير الشّمس؟ ـ فأجاب تأكيدا بقوله : حالهم كذلك ، أو التّقدير : امره كما ذكر (وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً) علما ، يعنى انّ ذا القرنين ومن عنده حين البلوغ الى مطلع الشّمس وأحوالهم ومالهم من الأموال في العالم الصّغير والكبير وان كانوا مختفين عن أهل العالم غير معلومين