فاحذروا ان تقتلوا مسيح هذه الامّة وان تفعلوا ما قال أمّة عيسى (ع) في حقّه ولم يفعلوه من ادّعاء قتله (وَما قَتَلُوهُ) عطف باعتبار المعنى أو حال (وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) قد مضى في سورة آل عمران عند قوله (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) قصّة عيسى (ع) وقتله وصلبه (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) عطف على ما قتلوه أو على شبّه لهم أو حال من الضّمير المجرور أو من فاعل ما قتلوه قيل بعد وقوع تلك الواقعة اختلف اليهود والنّصارى فقال بعضهم : كان عيسى (ع) كاذبا وقتلناه ، وقال بعضهم : لو كان المقتول عيسى (ع) فأين صاحبنا؟ ـ وقال بعضهم : الوجه وجه عيسى (ع) والبدن بدن صاحبنا ، وقال بعضهم : رفع الى السّماء لما أخبر عيسى (ع) برفعه الى السّماء ، وقال بعضهم : رفع الملكوت وصلب النّاسوت ، وقيل القى شبهه على جميع الحواريّين وكانوا سبعة عشر في بيت فلمّا أحاط اليهود بهم رأوا كلّهم على مثال عيسى (ع) وقالوا : سحرتمونا فليخرج إلينا عيسى (ع) والّا نقتل كلّكم فأخذوا واحدا وقالوا : هذا عيسى (ع) واشتبه الحال عليهم فاختلفوا ، وقيل : انّ رؤساء اليهود أخذوا إنسانا وقتلوه وصلبوه في موضع عال ولم يمكّنوا أحدا منه حتّى تغيّر حليته فقالوا : قتلنا المسيح ليشتبه الأمر على العوامّ لانّهم لمّا أحاطوا بالبيت ورفع الله عيسى (ع) خافوا ان يؤمن به عامّتهم (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) استثناء منقطع (وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) مفعول مطلق مؤكّد لغيره اى يقن عدم القتل يقينا ، وامّا جعله حالا أو مضافا اليه لمفعول مطلق محذوف تقديره قتل يقين فبعيد معنى لافادته تقييد نفى القتل بحال اليقين وإثباته مع الشّكّ وليس هذا مقصودا (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) اختلاف اليهود والنّصارى في مولد عيسى (ع) وفي قتله وصلبه ورفعه الى السّماء ونزوله منها علاوة على ما ذكر هاهنا وعلى ما ذكر في سورة آل عمران معروف مسطور في التّواريخ ، ولا غرابة في رفعه ببدنه العنصرىّ لغلبة الملكوت على الملك ، وانكار الفلسفىّ والطّبيعىّ غير مسموع في مقابل المشهود ، والتّأويل بأنّ المقتول والمصلوب هو بدنه الدّنيوىّ وهو بما هو ليس بعيسى (ع) بل متشبّه به ، والمرفوع هو بدنه الملكوتىّ وروحه عنهم معروف ، ولكن بعد إمكان غلبة ـ الملكوت على الملك بحيث يعطى الملك حكمه لا حاجة لنا الى هذا التّأويل بل نقف على ظاهر ما ورد في التّنزيل والاخبار (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) لا يغلب فيقتل نبيّه (ع) على خلاف إرادته ، أو لا يغلب في مظاهر خلفائه ، وما يتراءى من القتل والأذى لهم انّما هو بالنّسبة الى بدنهم العنصرىّ وهو سجن لهم ولباس لأنفسهم ، وقوله تعالى (حَكِيماً) اشارة اليه يعنى ان وقع على سجنهم ولباسهم تصرّف من الأعداء فهو أيضا بحكمه (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) يعنى ما أحد من أهل الكتاب الّا ليؤمننّ بعيسى (ع) قبل موته حين احتضاره أو قبل موت عيسى (ع) أو قبل موته حين نزول عيسى (ع) من السّماء مع مهدىّ هذه الامّة ، لكن نقول في بيان ما هو المقصود انّه صرف الكلام عن حكاية حال أهل الكتاب متوجّها الى المقصود مخاطبا لحبيبه محمّد (ص) في حبيبه علىّ (ع) تسلية له (ص) فقال : ان فعلوا كلّ ما فعلوا فلا تحزن فانّهم وجميع أهل الأرض يؤمنون به قبل موتهم فانّه ما من أحد يموت الّا ويرى عليّا (ع) حين موته ويكون رؤيته راحة لهم أو نقمة لهم ، ونسب اليه عليهالسلام :
يا حار همدان من يمت يرنى |
|
من مؤمن أو منافق قبلا |
يعرفني طرفه وأعرفه |
|
بعينه واسمه وما فعلا |
والسّرّ فيه انّ حال الاحتضار يرتفع الحجاب ويشاهد المحتضر الملكوت ، واوّل ما يظهر من الملكوت