تستوحش من عدم قبولهم ويستوحشوا من ادّعائك فلا تبال بردّهم وقبولهم ، وان كان المقصود تقرير الوحي بالخلافة فالمعنى انّا أوحينا إليك بالخلافة ، ويؤيّده انّه لو كان المراد تقرير الرّسالة لكان أرسلنا مقام أوحينا أوقع ، وأيضا لو كان المراد ذلك لما ذكر بعد الرّسل في قوله (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) لانّ معناه حينئذ بعد إرسال الرّسل ، وهذا المعنى يستفاد من كون اللّام غاية لارسال الرّسل بخلاف ما إذا كان غاية للوحى بالخلافة ، فانّ معناه حينئذ لئلّا يكون الأرض بعد مضىّ الرّسل خالية عن الحجّة (كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) بالخلافة فلم يكن الوحي بالخلافة بدعا حتّى يستوحشوا منه فلا تبال بهم (وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ) عطف على المشبّه أو المشبّه به وذكر هؤلاء مخصوصا بعد ذكرهم عموما في النّبيّين لشرافتهم والاهتمام بهم (وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً وَرُسُلاً) امّا من باب الاشتغال أو بتقدير أرسلنا (قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) اليوم أو من قبل هذه السّورة (وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) فكيف بالوحي (رُسُلاً) حال موطّئة (مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) بعد إرسال الرّسل وقد مضى انّ هذا المعنى يستفاد من اللّام ، أو أوحينا بالخلافة لئلّا يكون للنّاس على الله حجّة بعد مضىّ الرّسل بان قالوا : كنّا في زمان لم يكن فيه رسول ولا من يعلّمنا معالم ديننا (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) لا مانع له من إرسال الرّسل ولا من نصب الخليفة لهم (حَكِيماً) يكون إرسال الرّسل منه ونصب الخليفة لمصالح كلّيّة وغايات متقنة (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ) استدراك عن جواب سؤال يناسب المقام كأنّ سائلا يسأل : هل يشهد الامّة بذلك؟ ـ فأجيب لا يشهدون لكن الله يشهد (بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) فلا حاجة الى غيره ، وورد عنهم (ع) انّه أنزل لكن الله يشهد بما انزل إليك في علىّ (ع) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) استيناف كأنّ السّامع سئل وطلب بيان حال الكافر بما أنزل اليه مع انّ الله يشهد به ولذا اكّده والمراد بهذا الكفر ، الكفر بما انزل اليه في علىّ (ع) أو الكفر بسبيل الله على سبيل التّنازع (وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن ولاية علىّ عليهالسلام (قَدْ ضَلُّوا) عن الطّريق (ضَلالاً بَعِيداً) لانّك قد علمت انّ الطّريق هو علىّ (ع) ولا يحصل الّا بدلالة علىّ (ع) وانّهم كفروا به وصدّوا الغير عنه ، ولمّا ذكر حالهم في أنفسهم كأنّ السّامع طلب حالهم مع الله ونسبة مغفرته وهدايته لهم فقال جوابا لهم : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بوضع المظهر موضع المضمر إظهارا لشناعة حالهم وذكرا لذمّ آخر لهم بذكر ظلمهم وإبرازا للسّبب في عدم المغفرة (وَظَلَمُوا) آل محمّد (ص) هكذا ورد عنهم (ع) (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً) لانّ ما به المغفرة هو الولاية ولانّ الهداية الى طريق الجنّة قد عرفت انّها مخصوصة بالولاية لانّ شأن النّبوّة الإنذار (إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) ثمّ نادى النّاس تلطّفا بهم وتنبيها لهم بعد ما اكّد امر الولاية وهدّد الكافرين بها أبلغ تهديد فقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِ) اى بولاية علىّ (ع) فانّها الحقّ وكلّ ما سواها حقّ بها كما مضى (مِنْ رَبِّكُمْ) فلا تبالوا بمن كفر به ولا تتّبعوه (فَآمِنُوا) بهذا الحقّ