بحسب المنطوق وعلى ما ذكر سابقا في وجهها الاوّل كان المراد بها الأمر بالوفاء بعقد الولاية التزاما (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) لمّا كان من جملة شرائط البيعة الاسلاميّة والايمانيّة ترك أذى الحيوان صار المقام مظنّة ان يسأل عن ذبح البهائم الّذى كان شائعا فيهم مسلمين وجاهلين خصوصا مع ملاحظة ما كان مشهورا من اتباع العجم من حرمة ذبح الحيوان واكله فأجاب تعالى بانّ ذبح البهائم وأكلها أحلّ لكم ، في القاموس : البهيمة كلّ ذات اربع قوائم ولو في الماء ، أو كلّ حىّ لا يميّز ، والبهيمة أولاد الضّأن والمعز والبقر ، وعلى هذا فالاضافة من قبيل اضافة العامّ الى الخاصّ والانعام الأزواج الثّمانية وفي الاخبار فسّر بهيمة الانعام بالأجنّة من الانعام ولا ينافي التّعميم ، لانّ المراد بذلك التّفسير بيان الفرد الخفىّ والمصداق الّذى لا يكاد يطلق اسم البهيمة عليه ، أو المقصود من هذا التّفسير انّه أحد وجوه الآية بتصوير انّ بهيمة الحيوان ما لا نطق له ولا تميز وبهيمة الانعام ما يكون عدم نطقه وعدم تميزه بالنّسبة الى الانعام وما لا تميز له بالنّسبة الى الانعام هو جنينها ، واعلم انّ ما ذكر من جعل قوله تعالى (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) مستأنفا جوابا لسؤال مقدّر انّما هو بحسب احتمال ظاهر اللّفظ وبحسب ظاهر الشّريعة المطهّرة ، والّا فالمقصود تعليق إحلال البهيمة على الوفاء بعقد الولاية كما صرّح بهذا التّعليق في قوله تعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) كما سيجيء وكما يستفاد من إشارات الآيات وتصريحات الاخبار ، انّ إحلال كلّ حلال معلّق على قبول الولاية ، وانّ من لم يقبل الولاية ولم يعرض عنها لا يحكم عليه بحليّة شيء ولا بحرمته ومن اعرض عنها يحكم عليه بحرمة كلّ شيء عليه ، ومن قبل الولاية ووفى بعقدها حكم عليه بحليّة المحلّلات ؛ ولىّ علىّ (ع) لا يأكل الّا الحلال وعدوّ علىّ (ع) لا يأكل الّا الحرام.
گر بگيرد خون جهانرا مال مال |
|
كى خورد مرد خدا الّا حلال |
فعلى هذا كان احلّت في هذه الآية جوابا للأمر وفي محلّ الجزم وادّاه بالماضي لئلّا يكون تصريحا بتعليق إحلال البهائم على الوفاء بعقد الولاية حتّى لا يسقطوه مثل سائر ما صرّح به من مناقب علىّ (ع) (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) ممّا يأتى في الآية الآتية (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) حال عن المجرور في لكم والمعنى احلّت لكم بهيمة الانعام حالكونكم غير معتقدين حليّة الصّيد (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) حال عن المستتر في محلّى الصّيد يعنى ان اعتقدتم حلّيّة الصّيد وقت الإحرام كانت المحلّلات حراما عليكم لانّكم ما وفّيتم بشروط عقدكم ، والحرم جمع الحرام بمعنى المحرم للحجّ أو العمرة سواء كان وصفا أو مصدرا في الأصل كالحلال بمعنى الخارج من الإحرام (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) فلا تتعجّبوا من تعليق إحلال المحلّلات على الوفاء بعقد الولاية ولا تتحرّجوا من ذبح البهائم وأكلها بشبهة سبقت الى أوهامكم من الأعاجم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) كرّره تلطّفا بهم وتذكيرا لعلّة النّهى تهييجا على الامتثال والمراد بالايمان كالسّابق امّا الايمان العامّ أو الخاصّ أو اعمّ منهما (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) يستعمل الإحلال المتعلّق بالأمور ذوي الخطر في ترك حرمتها وفي اعتقاد حلّيّة ترك حرمتها والمعاملة معها بخلاف شأنها فالمعنى لا تتركوا حرمة شعائر الله ولا تعتقدوا حلّيّة ترك حرمتها فتتهاونوا بها ، والشّعائر جمع الشّعيرة أو الشّعارة أو الشّعار بمعنى العلامة ، ولمّا كان كلّ من العبادات علامة لدين الإسلام وللعبوديّة وقبول آلهة الله سميّت شعائر الدّين وشعائر الإسلام وشعائر الله ، ولمّا كان أعظم شعائر الإسلام هي الولاية لانّها أعظم أركانها الخمسة وأسناها وكان المقصود من الوفاء بالعقود الوفاء بعقد الولاية كما علمت كان المقصود هاهنا أيضا