والحلول وحقّ العبارة ان يقال : لو أراد أن يهلك المسيح وأمّه لانّ المسيح وأمّه كانا قد مضيا لكنّه تعالى ادّاه بصورة الشّرط المستقبل لفرض الحال الماضية حاضرة ، أو لاعتقادهم انّ عيسى (ع) حىّ في السّماء قاعد على يمين أبيه وكذلك أمّه ، أو للاشارة الى انّه حىّ بحيوته الطّبيعيّة في السّماء الرّابعة (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) استيناف أو حال لبيان عدم المانع له من إرادته ونفاذ أمره وللدّلالة على انّ المسيح مملوك له والمملوك لا يكون إلها ولا ولدا للمالك (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) فلا غروان يخلق عيسى (ع) من أنثى بلا ذكر ولا دلالة فيه على كونه إلها أو ابنا كما تمسّكوا به ، بل فيه دلالة على آلهة الخالق الّذى خلقه بلا ذكر نقضا لما قاله الطّبيعىّ (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على خلق الإنسان بلا أب وعلى إهلاك من في الأرض جميعا ، وخلق عيسى (ع) بلا أب يدلّ على عموم قدرته لا على آلهة عيسى (ع) (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) بيان لحال الفريقين ومقالتهم الفضيحة ، ووجه هذا الادّعاء انّهم قالوا من اقرّ به تعالى وتقرّب لديه فهو ابنه الرّوحانىّ وقيل : مقصودهم من هذا انّهم أشياع ابنيه المسيح (ع) وعزير (ع) وهو بعيد (قُلْ) ردّا لهم (فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) في الدّنيا بالمغلوبيّة وفي الآخرة بالنّار دائما أو ايّاما قلائل على زعمكم (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) منكم (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) منكم على حسب اختلاف استعدادكم (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) بيان لتسويتهم مع غيرهم في النّسبة اليه ، وتكراره هاهنا وفي غير هذا الموضع لتمكينه في قلب السّامع ولأنّ كلا يقتضيه المقام المخصوص (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) بيان لمساواتهم مع غيرهم في الانتهاء اليه (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) أضاف الرّسول الى نفسه في الموضعين تشريفا له وتهويلا لمخالفيه (يُبَيِّنُ لَكُمْ) ما تحتاجون اليه أو المفعول منسىّ (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) حال من رسولنا أو من المستتر في يبيّن ، أو من الضّمير في لكم أو متعلّق بجاءكم أو بيبيّن على تضمين معنى يورد والمراد فتور احكام الرّسل (ع) لعدم ظهورهم واختفاء أوصيائهم لا انقطاع الوحي وانقطاع الحجّة كما هو مذهب العامّة فانّه كان بين عيسى (ع) ومحمّد (ص) أنبياء (ع) وأوصياء (ع) كان أكثرهم مغمورين غير ظاهرين وكان دينه في نهاية الخفاء وان كانت ملّته ظاهرة غالبة وقيل : كان بين ميلاد عيسى (ع) ومحمّد (ص) خمسمائة وتسع وستّون سنة وكان من تلك المدّة مائة واربع وثلثون زمان ظهور الرّسل والباقي زمان الفترة وهذا أحد الأقوال ، وقيل : مدّة الفترة كانت ستّمائة سنة وقيل : خمسمائة وستّين ، وقيل : اربع مائة وبضعا وستّين وقيل : خمسمائة وشيئا (أَنْ تَقُولُوا) كراهة ان تقولوا أو لئلّا تقولوا (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ) الفاء للسّببيّة فانّ التّقدير لا تعتذروا بذلك فقد جاءكم (بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على إرسال الرّسول حين الفترة ، أو يقدر على إنطاق جوارحكم ان تنكروا مجيء الرّسول وتبليغه ، أو يقدر على عذابكم ان تنكروا رسوله ولا تقرّوا به (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) عطف على مقدّر هو لا تعتذروا المقدّر السّابق الى لا تعتذروا واذكروا ما قال موسى (ع) لقومه حتّى تذكروا نعمة وجود الرّسول (ص) فيكم ولا تخالفوا قوله والمقصود التّعريض بامّة محمّد (ص) بتذكير حال أمّة موسى (ع) والنّعم الّتى أنعم الله بها عليهم وإبائهم عن امر موسى (ع) وضلالتهم في التّيه أربعين سنة حتّى يتنبّهوا للنّعم الّتى أنعم الله بها عليهم ولا يخالفوا قوله ولا يخرجوا من امره في علىّ (ع)