بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) واليد كما سبق في أمثالها غير مختصّة بالعضو المخصوص الّذى لذوي الحيوة الحيوانيّة ، بل هي اسم لمعنى عامّ له مصاديق كثيرة مترتّبة بعضها فوق بعض ، وهو معنى ما به التّصرّف بالحركة في الجذب والدّفع والدّخل والخرج ، وما به القدرة في الإنفاق والإمساك والإيجاد والاعدام وغير ذلك من لوازم التّصرّف ، وهي في الحيوان آلة مخصوصة مركّبة من أجسام مختلفة ، وفي الإنسان الملكىّ آلة اخرى وفي الإنسان الملكوتىّ أيضا آلة محسوسة غير ما للإنسان الملكىّ ، وفي الجبروتىّ ليست آلة محسوسة بل امر معقول مجرّد عن المادّة ولوازم المادّة وعن التّقدّر والتّشكّل ، والحقّ تعالى شأنه لمّا كان احدىّ الّذات لا كثرة لذاته بوجه من وجوه الكثرة ولا تركيب فيه بوجه من وجوه التّركيب ، بل انيّته وجود صرف محيط بكلّ الكثرات بحيث لا يشذّ عن وجوده شيء منها والّا كان محدودا مركّبا ، فهو بذاته الاحديّة مصداق لجميع الأسماء والصّفات المتقابلة بحيث لا يلزم منه تكثير ولا تركيب ولا تحديد ، فانّ من حدّه بشيء فقد عدّه واثبت له ثانيا ، ومن عدّه فقد ثنّاه ، ومن ثنّاه فقد جزّاه ، ومن جزّاه فقد جهله ، فمن وجوب وجوده يستدلّ على عدم تركّبه ، ومنه على عدم تحدّده ، ومنه على احاطته فهو بكلّ شيء محيط. وهذا أتمّ البراهين الّتى أقامها الحكماء على احاطته بل هو أصل للكلّ والكلّ راجع اليه فهو بأحديّته مصداق الصّفات الحقيقيّة المحضة ومصداق الصّفات الحقيقيّة ذات الاضافة ، ومصداق الإضافات والسّلوب تماما فهو الحىّ العليم السّميع البصير المدرك القادر المريد المتكلّم الرّحمن الرّحيم الخالق الرّازق المبدء المعيد المتصرّف الهادي المفضل المضلّ المنتقم السّبّوح القدّوس ، لكن هذه الأسماء غير ظاهرة في مرتبته الاحديّة فانّها الغيب الّذى لا اسم له ولا رسم ولا خبر عنه ولا اثر بل هي ظاهرة في مقام المعروفيّة المسمّاة بنفس الرّحمن والحقيقة المحمّديّة والاضافة الاشراقيّة وعرش الرّحمن والولاية المطلقة والمشيّة والحقّ المخلوق به وغير ذلك من أسمائها ، سوى الف الف اسم الله تعالى شأنه هي مصداقها في مقام الظّهور وهي باعتبار نفسها من غير اعتبار حيثيّته وحيثيّة يد الله وباعتبار وجهها الى الله ووجهها الى الخلق ، وباعتبار انضيافها الى الملكوت العليا والسّفلى ، وباعتبار ظهور اللّطف والقهر فيها يد ان لله وكلتا يديه يمين وباسط اليدين بالرّحمة في هذا المقام ، وباعتبار انضيافها الى المهيّات والأعيان الثّابتات تظهر فيها الأسماء المتقابلات من اللّطيف والقاهر والرّحيم والمنتقم ولكلّ صنف من أسمائه تعالى عالم هو محلّ ظهوره فعالم الأرواح والأشباح النّوريّة الّتى هي عالم المثال والفلكيّات تماما مظاهر أسمائه اللّطفية. والعالم السفلىّ الّذى هو عالم الشّياطين والجنّة ومقرّ الأرواح الخبيثة وفيه الجحيم ونيرانها مظاهر أسمائه القهريّة ، وعالم العناصر بمواليدها مظاهر اللّطف والقهر تماما فأسماءه تعالى اللّطفيّة والقهريّة يداه تعالى وبهذا الاعتبار أيضا كلتا يديه يمين ومظاهر الأسماء اللّطفيّة من عالم الأرواح والسّماوات يمينه ، والسّموات مطويّات بيمينه والطّاوى والمطوىّ باعتبار الظّاهر والمظهر ، والّا فالسّماوات يمين والظّاهر فيه أيضا يمين والظّاهر السّفلىّ شمال وأصحاب اليمين وأصحاب الشّمال اشارة الى أهل هذين العالمين ، لكن كونهما يمينا وشمالا باعتبار هما في أنفسهما لا بالاضافة اليه تعالى فانّ كلّا منهما بالاضافة اليه تعالى يمين ، ولذلك لم يرد في كلامه تعالى شمال الله ، بل أصحاب الشّمال وأصحاب المشئمة بدون الاضافة ، ولم يقل تعالى والأرض جميعا في شماله مع انّ المناسب في مقابل (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) ان يقول والأرض مقبوضة بشماله بل قال قبضته لا باسم اليمين ولا باسم الشّمال فبإضافة العالمين اليه كلتا يديه يمين أيضا ، وإذا أريد بالرّحمة ، الرّحمة الرّحمانيّة فهو باسط اليدين بالرّحمة في هذين العالمين أيضا ، وإذا أريد إظهار الاضافة اللازمة لليمين والشّمال يقال يمين العالم وشمال العالم. إذا علمت