قال الفقيه العلامة فخر الدين عبد الله بن زيد العنسي رحمهالله تعالى ما لفظه : واعلم أنا إذا دللنا على إثبات صانع مختار كفانا ذلك الدليل في أن الله تعالى موجود قديم قادر عليم حيّ ، بحيث لا دليل لنا على هذه الأوصاف التي هي أوصاف الكمال سوى حدوث العالم وحاجته إلى محدث فاعل مختار لأنه لا يصح أن يكون فاعلا مختارا إلّا وهو قادر على ما خلق وعالم بذلك لما في حدوث العالم من الإحكام الذي قد (١) بيّنا بعضه الدال على علمه ، وحي بحيث لا يعقل أن يكون مواتا وهو قادر عالم فاعل مختار ، وموجود لأن المعدوم لا يكون فاعلا مختارا يعلم ذلك ضرورة.
قال : وإنما أردنا التقريب بأن نجري تأنيسا على عادة أصحاب أبي هاشم في أنهم يذكرون هذه الأوصاف فصولا بعد إثبات الصانع ويعتقدون أن إثبات الصانع دلالة مجملة لم يتعيّن بها اختصاصه تعالى بكونه قادرا عالما حيّا موجودا لاعتقادهم أنها صفات مقتضاة عن الصفة الذاتيّة لا يمكن العلم بها إلّا بنظر جديد فلهذا فصّلوا هذه الفصول.
قال : ونحن لا نعتقد الصفة الذاتية ولا المقتضاة ولا أن بعض الصفات تؤثر في بعض على جهة الاقتضاء ، ولا أن ذلك من مذاهب الأنبياء ولا من دين محمّد المصطفى ولا عليّ المرتضى ولا المتقدمين من أهل البيت النجباء صلوات الله عليهم جميعا.
قال : ومن سمع بمقالتهم هذه وهي : تجويز حصول العالم وحدوثه ممن ليس بموجود قادر حي عالم سخر بها غاية السّخرية.
بل ذكر الشيخ أبو الحسين البصري والشيخ محمود الملاحمي من المعتزلة أنهم يجوزون أن الإنسان يعلم أن للعالم صانعا مختارا عدلا حكيما باعثا للرّسل قبل أن يعلم أنه موجود قادر عالم حي ، وهذه ضحكة لا ينبغي ذكرها إلّا على وجه التحذير منها لأنه لازم لهم على ذلك المذهب الذي ذهبوا إليه ، فهم التزموا ما يلزمهم من ذلك وإن كان شنيعا جدّا.
__________________
(١) (أ) ناقص قد.