قلت : ولأجل ذلك لم يستدلّوا على وجوده تعالى إلّا بأدلة ضعيفة واهية كدليل التّعلّق ونحوه الذي لا يدل على المقصود إلّا على سبيل التّمحل (١) والتكلف والله أعلم.
واعلم : أن الوجود ليس بأمر زائد على الذات في الشاهد والغائب فوجود الشيء هو نفس ذلك الشيء ، وهذا هو الحق الذي ذهب إليه أكثر العلماء منهم أبو الحسين والخوارزمي وكل من لم يثبت الذوات في العدم.
«قديما» أي لا أول لوجوده «لأن المقارنة» لو فرضت بين الصانع والمصنوع والمحدث والمحدث «تبطل كون المحدث محدثا لعدم الاختيار من الفاعل» لأن اختيار الفعل على تركه لا يكون إلّا قبل وجود الفعل «و» لو فرضنا المقارنة لزم أيضا «عدم صحة إحداثه» أي إحداث المحدث فيلزم قدم العالم وهو محال «لأنه ليس إحداث أحدهما» أي العالم ومحدثه «للآخر بأولى من العكس» لعدم المخصص لأحدهما بكونه صانعا والثاني بكونه مصنوعا لفرض مقارنتهما وذلك واضح البطلان «ولما يلزم» لو فرضنا المقارنة وقد ثبت حدوث العالم بما مرّ من الدلالة على ذلك «من حدوثه تعالى لمقارنته المحدث» الذي هو العالم «ابتداء» أي من (٢) ابتداء وجودهما «فيحتاج» محدث العالم حينئذ «إلى محدث» يحدثه ومحدثه إلى محدث «وتسلسل» إلى ما لا نهاية له «وهو» أي التسلسل «محال» لعدم النهاية فوجب أن يكون محدث العالم قديما «غير محدث» أي لم يكن مصنوعا لصانع البتة «لما يلزم من التسلسل كما مرّ آنفا أو التحكم» أي القطع والحكم بأن محدثا مقتصرا عليه إحداث (٣) محدث العالم بلا حجة ضرورية ولا دليل يستدل به عليه «في الاقتصار على البعض» حيث قلنا يحتاج إلى محدث ولا يحتاج محدثه إلى محدث «كما تزعمه المفوّضة» وهم فرقة من الرافضة زعموا أن الله سبحانه وتعالى يفوّض إلى أحد من خلقه أن يخلق ويرزق كما فوّض عندهم إلى نبيئنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو
__________________
(١) (أ) ناقص التمحل.
(٢) (أ) في.
(٣) (ب) أحدث.