عندهم خالق العالم ومن فيه «وكل منهما» أي من التسلسل أو التحكم «معلوم البطلان» لأن العقل يقضي ضرورة ببطلان محدث يحدث محدثا إلى ما لا نهاية له ، وكذلك الاقتصار على محدث يحدث محدث العالم بلا حجة معلومة لا ضرورة ولا استدلالا إلّا مجرد دعوى باطلة ، «قادرا» على كل الممكنات «لأن الفعل لا يصح إلّا من قادر» يعلم ذلك «ضرورة» وهو تعالى القادر حقيقة لأنه تعالى قادر لا بقدرة مجعولة له ، وغيره تعالى من القادرين قادر مجازا لا أنه قادر بقدرة جعلها الله له فهو على الحقيقة مقدور (١).
ولهذا الفرق الذي ذكرناه وقع الاختلاف في مقدور المخلوق ومقدور الخالق ، فمقدور الخالق الأجسام والأعراض ، ومقدور المخلوق نحو الحركة والسكون فقط «حيّا لأن الجماد لا قدرة له» يعلم ذلك «ضرورة» وهو سبحانه الحيّ حقيقة لأنه حيّ لا بحياة وغيره حيّ مجازا لأنه على الحقيقة محيا كما ذكرنا مثله في القادر ومعنى الحي في حقّه تعالى : أنه الذي يجوز منه الفعل والتدبير «عالما» وهو جل وعلا العالم حقيقة لا بعلم ، وغيره عالم بعلم كما سبق مثله في قادر «لأنا وجدنا العالم محكما رصين الإحكام» ولا يخفى إحكام العالم وإرصانه واشتماله على ما لا يحصى من الآيات الباهرة الدالة على الحكمة البالغة على ذوي العقول «على اختلاف أصنافه وتبيانها مميّزا كلّا منها عن الآخر أكمل تمييز نحو إحكام خلق الإنسان» وتركيبه بعد أن كان أصله ترابا ونسله نطفة أمشاجا من لحم ودم وعظم وعصب وعروق تركيبا بليغا في الحكمة.
قيل : إن عظام الإنسان ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون عظما (٣٣٣) وعروقه ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون عرقا (٣٣٣).
انظر إلى المفاصل وشدّة أسرها فلم تكن عظما واحدا فيبطل التصرف من الانقباض والانتشار والقيام والقعود ، ولم يكن رخوا فيبطل ذلك.
«وتمييزه بذلك» الإحكام «عن نحو إحكام خلق الأنعام» وهي الأزواج
__________________
(١) (ب) مقدر.