الثمانية ، وكذلك غيرها من سائر المخلوقات ، من ذلك : أنه لا يشتبه اثنان من الآدميين وما يملكون من الحيوان على كثرتهم وتباينهم في الأقطار في صورة الوجه ولهجة الصوت ولو اشتبه من الناس اثنان أو امرأتان لوقع الفساد ، وكذلك ما يملكون من الأنعام ونحوها ، ولمّا لم يكن في الطيور وما لا يملك من الحيوان شيء من الفساد لو تشابهت جاز أن يشتبه منها اثنان أو أكثر فتبارك الله أحسن الخالقين.
«وذلك» الإحكام «لا يكون إلّا من عالم ضرورة» أي معلوم كونه من عالم بضرورة العقول التي فطرها الله عليها ، «وليس ذلك إلّا الله تعالى» العالم بما تجنّ الصدور وما في قعور البحور.
(تنبيه) : اعترض بعضهم على كلام الأئمة عليهمالسلام في هذا الموضع فقال :
المعلوم أن قولنا زيد عالم وزيد قادر حقيقة لغوية كقولنا ضارب وقاتل مع أنه يلزم من القول بأن ذلك مجاز في المخلوق الجبر وهو معلوم البطلان.
والجواب والله الموفق : أن المعلوم عند كل عاقل مستقرئ للغة العرب أن معنى قولنا زيد قادر بقدرة خلقها الله تعالى له ، وزيد عالم بعلم خلقه الله له لأنه لم يصر عالما ولا قادرا إلّا بحصول العلم والقدرة علم ذلك باستقراء لغة العرب ، وعلم أنهم لا يشتقّون اسم فاعل إلّا من الفعل الذي يفعله من اشتقّ له وإن لم يفعله من اشتقّ له بل فعله غيره به اشتقوا له اسم مفعول ، فيقولون لمن وقع الضرب به من غيره مضروب ولا يقولون ضارب ، وهذه قاعدة لا يختلف فيها العارفون بلغة العرب وإذا ثبت أن معنى زيد قادر بقدرة خلقها الله له ، وزيد عالم بعلم أي عقل خلقه الله له فهو على الحقيقة مقدر ومعلم ، أي جعله الله يقدر ويعلم ولا يلزم الجبر لأن القدرة غير موجبة للمقدور وليس كذلك ضارب وقاتل فإنهما حقيقة لأن الضرب والقتل فعل زيد حقيقة بتمكين الله له من ذلك فهو الذي فعل الضرب والقتل حقيقة اللّذين اشتق ضارب وقاتل منهما ، بخلاف القدرة والعلم فلم يفعلهما لكن لمّا