وأنهما امتزجا حتى صار منهما شيء ثالث كما تمتزج النار بالفحمة فيصير منها شيء ثالث وهو الجمرة.
الثالثة : النسطورية وهم القائلون بأن الاتحاد إنما كان من جهة المشيئة.
الرابعة : الأرمنوسيّة زعموا أن عيسى عليهالسلام كان عبدا لله (١) ورسوله اصطفاه ولكنه اتخذه ابنا له على سبيل التشريف والتكريم.
قال : واشتهر على ألسنة المتكلمين أن النصارى يقولون : إن الله واحد بالجوهرية ثلاثة بالأقنومية.
فأما وصفهم الله تعالى بالجوهرية فالخلاف فيه معهم ليس إلّا من جهة اللفظ لأنهم متفقون على أن الله تعالى ليس بمتحيز وأنه تعالى منزه عن المكان والجهة فمرادهم أنه قائم بنفسه ليس بمفتقر إلى غيره ، وأما الأقنوم فهو اسم سرياني ومعناه عندهم الشيء المنفرد بالعدد والأقانيم عندهم ثلاثة : أقنوم الأب وهو ذات الباري.
وأقنوم الابن وهو الكلمة ، وأقنوم روح القدس وهو الحياة.
قال : وقد تخبط الناس في معرفة مقاصدهم بهذه الأقانيم فذهب بعضهم إلى أن هذه الأقانيم ذوات قائمة بأنفسها وكل أقنوم منها مستقل بنفسه وذهب آخرون إلى أنها أشخاص ، وقال آخرون إنها وجوه وصفات إلى غير ذلك من التفرق والخلاف.
قال : واعلم أن الأشبه عند التحقيق أن مراد النصارى من هذه الأقانيم التي زعموها هو هذه المعاني التي يثبتها هؤلاء الأشعرية وبيانه : أن النصارى يعتبرون في تقرير مذهبهم شرائط ثلاث :
الأولى : وحدة الذات فإن عندهم أن الله تعالى واحد بالجوهرية.
الثانية : أن الصحيح من مذهبهم أن هذه الأقانيم عندهم ذوات مستقلة بأنفسها ليست من قبيل الأحوال والصفات بل ذوات على حيالها منفردة.
__________________
(١) (ب) عبد الله ورسوله.