فالتناصف حينئذ «مزيد تفضّل» منه تعالى «محض» على من أنصفه جل وعلا من ظالمه ، لأنه قد ثبت أن الله سبحانه لعدله وحكمته لا يخلّي بين الظالم والمظلوم إلّا لمصلحة توفي على مقدار ضرره من الظالم كما مر ذكره.
وهذه التخلية تفضل من الله لكونها عرضا على الخير.
فالتّناصف بعد ذلك مزيد تفضل «لأنّ الامتحان تفضل كما مر» ذكره «فهي» أي التخلية «حسنة كالفصد» لدفع الضرر أو جلب المصلحة «ولا شيء على الفاصد ضرورة» أي علم ذلك بضرورة العقل «غير الفعل المطلوب منه» وهو الفصادة «إذا كان بصيرا لأنّه محسن» في فصادته «عند العقلاء ، وما على المحسنين من سبيل» فثبت بما ذكرناه عدم وجوب التّناصف وغيره على الله تعالى.
وقال «بعض المعتزلة وغيرهم : بل يجب على الله تعالى» ما علمنا أنه يفعله قطعا فهو موصوف بصفة الوجوب فيقبح الإخلال به.
ثم اختلفوا : فقال «بعضهم : يجب جميع ما ذكر» مما تضمنه المثال المذكور والتناصف ، وهؤلاء هم جمهور المعتزلة.
فقالوا : يجب (١) ستّة أمور : اللطف للمتلطفين ، والعوض للمؤلمين ، والانتصاف للمظلومين من الظالمين ، وقبول توبة التائبين ، والإثابة للمطيعين ، والتمكين للمكلفين.
قالوا : فالثلاثة الأول ليس الموجب لها ابتداء التّكليف.
والثلاثة الأخر يوجبها ابتداء التّكليف.
وقال بعضهم : بل تجب ثمانية أمور : الستة المتقدمة ، ونصرة المظلومين والبعثة للمستحقين.
«وقال بعضهم : بل بعضه» يجب على الله تعالى كقول بشر بن المعتمر ومتابعيه : إنه لا يجب على الله تعالى بعد التكليف إلّا التمكين وقول أبي علي
__________________
(١) (ب) تجب.