عدوه دون مراده ، ونسبة هذا إليه تعالى نسبة للعجز إليه ، تعالى رب العالمين) عن قول الظالمين علوا كبيرا.
(والجواب عما أوردوه) متمسّكا لهم من الآيات :
أما عن قوله تعالى : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) (سورة غافر : ٣١) وما بمعناها فهو (أنه سبحانه نفى إرادته ظلم العباد) أي : ظلمه لعباده ، (وهو لا يستلزم نفي إرادته ظلم العباد أنفسهم ،) فليس المنفي في الآية إرادة ظلم بعضهم بعضا فإنه كائن ومراد. (وسنذكر) أثناء هذا الأصل (جواب قولهم : إرادته الظلم) أي : ظلمهم لأنفسهم (... إلخ). وإفراد قولهم هذا بجواب يقتضي كونه دليلا ثانيا مستقلا كما سلكناه في هذا التوضيح ، ويصح أن يكون مع ما قبله دليلا واحدا.
وأما الجواب عن تمسكهم بقوله تعالى : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) (سورة الزمر : ٧) ، وقوله تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) (سورة البقرة : ٢٠٥) فهو أنه (لا تلازم بين الرضا والمحبة وبين الإرادة) كما ادّعوه ، (إذ قد يريد الواحد منا ما يكرهه) ألا ترى أن المريض يريد تعاطي الدواء وهو يكره تعاطيه لبشاعة طعمه أو مرارته ، وأيضا فالرضا : ترك الاعتراض على الشيء لا إرادة وقوعه ، والمحبة : إرادة خاصة ؛ وهي ما لا يتبعها تبعة ومؤاخذة ، والإرادة أعم ، فهي منفكة عنها فيما إذا تعلقت بما يتبعه تبعة ومؤاخذة.
وأما عن تمسكهم بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) (سورة الأعراف : ٢٨) فهو أنه (لا تلازم بين الأمر والإرادة ، إذ قد يأمر) الآمر (بما لا يريده ، كالمعتذر لمن لامه في ضرب عبده بمخالفته) أمره (فيأمره) بحضرة من لامه (و) هو (لا يريد) في هذه الحالة (المأمور به ، ليظهر) لمن لامه (صدقه ،) فقد تحقق انفكاك الأمر عن الإرادة (فالمعاصي واقعة بإرادته) تعالى (ومشيئته ،) وعطف المشيئة تفسيري كما مر في عطف الإرادة عليها (لا بأمره ورضاه ومحبته) لما قررناه (وقال إمام الحرمين : إن من حقق لم يكع عن القول بأن المعاصي بمحبته ، ونقله بعضهم) بمعناه (عن) الشيخ أبي الحسن (الأشعري ، لتقاربها) أي : المحبة والإرادة والرضا ، يريد : تقاربها في المعنى (لغة ، فإن من أراد شيئا أو شاءه فقد رضيه وأحبه) وهذا التعليل نقل لكلام إمام الحرمين بالمعنى ، وعبارة «الإرشاد» : «ومن حقق من أئمتنا لم يكع عن تهويل المعتزلة ، وقال المحبة بمعنى الإرادة ، وكذلك الرضا ، فالرب تعالى